ها هي الصحافة القومية تقف علي أعتاب مرحلة جديدة, إما أن تنهض بها الي الأبد, أو أن تعصف بها, أو أن تظل بطة عرجاء تراوح مكانها ما بين الموت والبقاء, وهو الأصعب علي الإطلاق. بداية كان قرار تأميم الصحافة قرارا خاطئا لأن الصحف غير المصانع والشركات. لكن الصحافة القومية هي الآن واقع موجود قوي ومؤثر, حيث إنها تستحوذ علي نحو09% من القراء, وهي نسبة تكفي للدلالة علي مدي أهميتها ووجودها بين الناس, بغض النظر عن اخفاق بعض هذه الصحف ومشكلاتها المالية والإدارية. أزمة الصحافة القومية نشأت من تبعيتها المالية والإدارية للدولة بالكامل, حتي ظهر مجلس الشوري علي الخريطة السياسية, وتم نقل الملكية إليه ولم يمارس منها سوي تعيين رؤساء التحرير ومجلس الإدارة والأعضاء المعينون في مجالس الإدارة والجمعيات العمومية, في حين تركها نهبا للخسائر الاقتصادية والمالية, ولم يفكر في إسقاط ديونها المتراكمة نتيجة سوء اختيار القيادات طوال فترات طويلة وممتدة, ولان الوضع الآن مختلف, بعد قيام ثورة52 يناير فقد آن الأوان لفتح ملف الصحافة القومية لا بهدف التصفية أو التخلص منها كما يشاع, وانما بهدف تقويتها والبحث عن أساليب مختلفة ومبتكرة لنمط الملكية, بحيث تصبح صحافة قومية عامة بحق بعيدة عن تأثير السلطة والأنظمة الحاكمة أيا كان انتماؤها السياسي. إصلاح الصحافة القومية يبدأ من تعديل القانون69 لسنة6991, بحيث تصبح الصحف القومية مستقلة فعلا عن السلطة التنفيذية وعن جميع الأحزاب, وتتحول الي منبر للحوار الوطني الحر بين كل الآراء والاتجاهات السياسية والقوي الفاعلة في المجتمع, وذلك من خلال إعادة النظر في نظام ملكيتها وطريقة إدارتها. بالنسبة لنظام الملكية فإن النظام الأفضل في تصوري هو نظام ملكية العاملين وتمليك العاملين بهذه المؤسسات لها, من خلال تقويم الأصول وتحويل الأصول الي أسهم يطرح منها04% في البورصة لسداد الديون المستحقة علي هذه المؤسسات.. أما النسبة الباقية وقدرها06% فتكون أسهما مغلقة غير قابلة للتداول في البورصة يتملكها العاملون بنسب متساوية ولا يسمح لهم ببيعها أو توريثها, وانما يتم نقلها الي المؤسسة في حالة المعاش أو الوفاة لتنتقل ملكيتها الي العاملين الجدد بقيمتها في ذلك التوقيت, وبذلك نضمن استمرار ملكية العاملين لتلك المؤسسات بعيدا عن الاستحواذ أو التفتيت. بعد أن يتم تغيير نمط الملكية وتحويلها الي ملكية عاملين يصبح للعاملين اختيار مجلس الإدارة بالكامل بالانتخاب, حيث ينص القانون الحالي علي اختيار ستة من العاملين بالانتخاب وستة بالتعيين بواسطة مجلس الشوري, بالإضافة الي تعيين رئيس مجلس الإدارة أيضا. وبالنسبة للجمعية العمومية, يتم انتخابها بالكامل أيضا من العاملين بدلا من النص الحالي, الذي يشترط انتخاب خمسة عشر عضوا وتعيين عشرين عضوا يختارهم مجلس الشوري, وبذلك ضمن مجلس الشوري( المالك) أن تكون الأغلبية في مجلس الإدارة(6+ رئيس المجلس) بالتعيين, والأغلبية في الجمعية العمومية(02 من53) بالتعيين أيضا, وهو وضع يضمن سيطرة مجلس الشوري علي هذه المجالس وهو ما يجب إلغاؤه وتحويل هذه المجالس الي مجالس منتخبة بالكامل. الي جوار مجلس الإدارة والجمعية العمومية, أعتقد أنه من المفيد استحداث ما يمكن تسميته بمجلس الأمناء, ويكون بالانتخاب الحر المباشر أيضا ويمكن أن يكون بنفس عدد أعضاء مجلس الإدارة. هذه المجالس الثلاث( مجلس الإدارة والجمعية العمومية ومجلس الأمناء) لها أن تختار قيادات المؤسسات الصحفية من رؤساء التحرير ورئيس مجلس الإدارة ومديري العموم, واقترح أن تكون الاختيارات بالانتخاب المباشر من بين المرشحين علي أن تقوم هذه المجالس الثلاث بانتخاب القيادات المرشحة, وتكون لها سلطة محاسبتهم وأن تقتصر مدة رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة علي فترتين فقط ولا تتجاوز الفترة الواحدة3 سنوات, ويرتبط التجديد للفترة الثانية بمدي النجاح الذي حققه رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة, علما بأن معيار نجاح أو فشل رئيس التحرير هو التوزيع وزيادة معدلاته, ومعيار نجاح أو فشل رئيس مجلس الإدارة هو مكسب المؤسسة أو خسارتها وزيادة دخول العاملين بها. يمكن في تلك الحالة إلغاء المجلس الأعلي للصحافة وتحويل صلاحيات وسلطات هذا المجلس الي مجالس الأمناء والإدارة والجمعيات العمومية في المؤسسات, وكذا نقابة الصحفيين فيما يخص الأوضاع العامة للحالة الصحفية, خاصة إبداء الرأي في جميع المشروعات المتعلقة بقوانين الصحافة, وأيضا حماية العمل الصحفي وكفالة حقوق الصحفيين, وإصدار ميثاق الشرف الصحفي وهي أمور تخص نقابة الصحفيين التي تحتاج أيضا الي قانون عصري جديد يناسب المتغيرات التي حدثت خلال الأربعين عاما الماضية في سوق العمل الصحفي في مصر. نقلاً عن الأهرام