أثار إعلان وزيرى الأوقاف والشباب والرياضة عن إطلاق حملة لمكافحة "الإلحاد" العديد من التساؤلات حول خطورة تلك المشكلة بين الشباب. فظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التي قد تتداخل فيها عدة عوامل اجتماعية وفكرية ودينية ونفسية، وبالتالي فإن مواجهتها تحتاج أولا إلى دراستها من كافة الجوانب ، كما أن دراستها وتحليلها والبحث في أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من مختصين في علوم الاجتماع والنفس والدين والفلسفة والفكر. وقبل أن نبدأ في بحث أسباب الإلحاد من المهم أن نسأل أنفسنا هل صار الإلحاد ظاهرة أصلا في مجتمعاتنا ؟! من الصعب أن يستطيع أي مسئول أو مركز بحثي أن يحكم حكماً دقيقاً على مدى انتشار الإلحاد ونسبة الملحدين أو أعدادهم أو أماكن نشرهم دعواتهم المتطرفة اللهم إلا بضعة مواقع وصفحات على مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ،كما يصعب وجود إحصائية يمكن من خلالها أن نعرف نسبة الملحدين بالمجتمع المصري والعربي ولا مستوياتهم التعليمية والثقافية ، وربما يكون عمل مثل هذه الإحصائية صعبا للغاية، لأن غالبية مَن يلحد يستمر في كتم تصرفه وربما آراؤه فلا يعلنها إلا لأصدقائه الملحدين، خصوصا لو كان يعيش في مجتمع متدين يصعب معه أن يعلن فيه المرء عن مثل هذا الخيار أو الاتجاه اللاديني. لكن 5 دقائق في جلسة مع شخص ملحد تسوقك إلى اتجاهه الفكري ، فشخصية الملحد هي كما هي منذ أن كتب عنها العالم الراحل الدكتور مصطفى محمود إذ قال عنها :"لأن الله غيب .. ولأن المستقبل غيب .. ولأن الآخرة غيب .. ولأن من يذهب إلى القبر لا يعود .. راجت بضاعة الإلحاد .. وسادت الأفكار المادية .. وعبد الناس أنفسهم واستسلموا لشهواتهم وانكبوا على الدنيا يتقاتلون على منافعها وظن أكثرهم أن ليس وراء الدنيا شيء وليس بعد الحياة شيء". وهو في تعريفه لهم أشمل وأجمل أوصافهم وأفكارهم التي تدور حولها كل حواراتهم التي لا بد من مواجهتها. فالأمر لا يحتاج مجرد حملة بل مجموعات عمل اجتماعية ودينية يتم فيها الاستعانة بعدد من علماء النفس والاجتماع والسياسة والأطباء النفسيين، لتخترق حواجز الملحدين لدراسة والبحث عن إجابة وتفسير لانتشار الظاهرة وكيفية مواجهتها. فلا شك أن الأسباب والدوافع التي قد تدفع ببعض شبابنا إلى الإلحاد أو ترك الدين أمورا ضرورية لمعرفة طريقة المواجهة لكن ثمة أمر أكبر جدير بالاهتمام يجب أن يفعل دوره لمواجهة هذه الظاهرة التي تتعلق أولا وأخيرا بضعف الثقافة الكلية سواء دينية أو علمية أو فكرية. فالمبادرة التي أعلنتها وزارتا الأوقاف والشباب تعكس بلا شك شعورا بأهمية "الجهد الثقافي" في سياق الجهود التي نأمل أن تتضافر لمواجهة هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع المصري ، خاصة أنها حملة جديدة من نوعها لم يتطرق إليها مسئول رسمي من قبل. فالثقافة هي حائط الصد لمواجهة هذه الأفكار اللادينية التي تتطلع بكافة السبل للتقليل من شأن الوجدان وتعلي العقل في كل الأمور الحياتية والكونية متجاهلة حقيقة الروح التي هي من "الرب" الواحد وسر من أسراره ، لذا فقد جاء الدين ليعلو ويسمو بالروح وينظم تصرفات العقل البشري بالأطر والأسس والتعاليم الدينية. فالثقافة ليست شيئا ترفيهيا للمجتمع بل أمرا أساسيا لا استغناء عنه للوقاية من الظواهر الاجتماعية والأمراض الفكرية والنفسية، فقصور المعرفة الدينية بالله وتعاليم الدين لا شك سببا في اتجاه البعض إلى الإلحاد بل تقود أحيانا بعض من يدعون الإيمان بالله إلى التشدد والتعصب الديني الأعمى الذي لا يرى حقيقة الدين بل يعيش من الدين قشوره فيزيف حقائق العبادة ويعيث في الأرض فسادا وإرهاب بأفكاره وفتاواه التي تكفر المجتمع فلا الملحدين ولا التكفيريين أقل خطرا من الآخر على المجتمع. ضعف الثقافة صار مكونا وثمة أساسية نعيها رأي العين في مجتمعنا ، فهي تحتاج لثورة وربما ثورتان أو ثلاثة لتصحيح الاتجاه ووضع المفاهيم الثقافية الصحيحة لكل شيء في نصابها الحقيقي ، فمجتمعنا يفتقد الثقافة الدينية . فكما يؤدي الإلحاد إلى الفوضى وانتهاك القيم والعادات والتقاليد والتعاليم المصدق عليها بين كافة الأديان السماوية ، فإن الجهل الثقافي بأمور الحياة المختلفة ومنها الدين يقود إلى ضياع المجتمع ككل وانتشار الإرهاب. لذا فإنه لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل ملحوظ في مختلف دول العالم في الآونة الأخيرة إلا من خلال تثقيف الشباب وإطلاعهم على المفهوم الصحيح للدين والعمل على مشروع ثقافي كبير لمصر يحفظ لها هويتها المصرية وتدين مجتمعها والتي يشهد التاريخ على عمق الدين في جذوره. -- Mohamed Mandour Journalist Mobile: 01229796831 - 01226210288