مازالت المأساة التي خلفتها السيول ببعض المدن مثل البحر الأحمر ورأس غارب وقنا وسوهاج مؤخرًا، وأسفرت عن عشرات الضحايا والمصابين؛ وتهدم المئات من بيوت الأهالي بالصعيد، تطرح سؤالًا مهمًّا عن تعامل الدولة مع الأزمة ومدى استعدادها لفصل الشتاء.. علق عاطف أمين، أمين مؤسس التحالف المصري لتطوير العشوائيات، بأن التحالف كان يتوقع استفادة الحكومة من كارثة السيول التي اجتاحت بعض المحافظات العام الماضي، وأنها قد استعدت باتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة موجة الأمطار، وتنظيف مخرات السيول بجميع المحافظات، لكن الكارثة الأخيرة أكدت أن ذلك لم يحدث. وطالب أمين الحكومة بوضع خطة جادة لصيانة وتطهير أكثر من 156 مخرًّا للسيول التي تخترق الكتل السكنية وفي نفس الوقت تمثل كوارث صحية وبيئية، والتأكد من الصيانة والتطهير الكامل لبالوعات الأمطار المنتشرة بشوارع وميادين القاهرة؛ لأن السيول هي الخطر الأكبر على المناطق العشوائية، حيث تحولها إلى مستنقعات؛ نتيجة الرصف غير المطابق للمواصفات وبسبب انسداد البالوعات بها. وأضاف ل«البديل» أن السيول التي جرفت بيوت المواطنين البسطاء المتهالكة والمبنية بالأخشاب، والتي تقيهم شرور الشتاء بالكاد، كشفت أيضًا فساد وعورات المسؤولين بالمحليات والأجهزة الإدارية التي لم تكن على مستوى الحدث على الإطلاق، بل لم تستفد من عبرات الدروس السابقة، كغرق الإسكندرية من قبل، متسائلًا: سقط 38 مواطنًا حتى الآن مع بداية الشتاء، ماذا سيحدث فيما بعد؟ وشدد على أهمية إسراع الحكومة والمحليات في الفترة المقبلة بنقل جميع سكان المناطق العشوائيات القائمة على مخرات السيول أو المناطق الصخرية إلى أماكن آمنة أخرى؛ حفاظًا على أرواحهم، وضرورة الإسراع في تنفيذ توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن الدولة لن تترك المواطنين في المناطق غير الآمنة، بمحافظات الصعيد التي تقع أغلبها بالقرب من الجبال ويسكنها أاكثر من مليون مواطن. وأوضح أن كارثة الصعيد والغردقة التي لم تنته بعد، تتكرر بمنتهى البساطة في القاهرة وضواحيها القريبة، وأبرز مثال إهمال المحليات مخر السيول الموجود بحلوان، الذي يمتد لنحو 4 كيلو مترات، بطول طريق وادي حوف والمعصرة والمعادي، ولكن به أطنان القمامة والحشرات، ولو حدث أمطار غزيزة ستغرق جميع الأحياء الموازية لتلك المخرات، بل ستتسبب في كارثة بيئية لعينة؛ نظرًا لكم الحشرات والقمامة بها. من جانبه عبر الدكتور حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية، عن بالغ استيائه من الإدارة الهزيلة للأغلبية العظمى من المحافظين وقيادات الإدارة المحلية ووزارة الري تجاه ملف السيول، مشيرًا إلى فشل الأغلبية العظمى من المحافظين في إدارة الأزمات، وانعدام خبراتهم بدور المحليات. وأضاف أن الأغلبية العظمى من الوزراء والمحافظين يعملون في جزر منعزلة، ولا يوجد تنسيق بينهم بشكل كاف، حيث إن متوسط حجم الأمطار الساقطة بكل محافظة يصل إلى 4 ملايين و600 ألف متر مكعب، ولو أن هناك رؤية حقيقية لتحولت تلك النقمة إلى نعمة، باستغلالها في زراعة نحو 700 ألف فدان كل مرة، لكنها تصبح أزمة بسبب إهمال المسؤولين. وأشار عرفة إلى أن أزمة السيول فضحت حكومة شريف إسماعيل والإدارات المحلية التابعة لها، من حيث انعدم الإدارة، حيث اقتصرت خطة الحكومة على الجولات الميدانية لموقع الحادث للشو الإعلامي، وتوزيع البطاطين وانتقال سيارات الإسعاف، بلا أي إدارة حقيقية للأزمات، فضلًا عن أن عدد المخرات الصناعية لا يتجاوز 26 مخرًّا بكل محافظة. وتابع أن هناك 34 طريقًا تم إنشاؤها منذ عقود، كان يجب التنسيق مع وزارة الري لصيانتها دوريًّا منعًا لحدوث الكارثة الأخيرة، والاستفادة من المياه في الزراعة وشحن المياه الجوفية، وهو ما لم يستعد له المحافظون بصورة كاملة. وطالب عرفة بسرعة إقالة محافظ البحر الأحمر وجنوب سيناء وسوهاج وأسيوط وقنا ووزير الري؛ نظرًا لحالات الوفيات والإصابات وقعت، وعدم الاستعداد الكافي للتعامل مع الأزمة، محذرًا من تكرار وقوع تلك الكارثة ب14 محافظة أخرى؛ منها شمال سيناء، أسوان، الأقصر، الإسماعيلية، السويس، الفيوم، المنيا، القاهرة.. وأكد أنه لا توجد خطة قومية من المسؤولين للتعامل مع ملف السيول حتى تلك اللحظة، والإدارة التي تتصدى لها تتسم بالعشوائية، حتى إنه توجد 126 محطة أرصاد كان يمكن الاستفادة منها بجانب إدارة الأزمات، التابعة لمركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء، حيث وصل ارتفاع منسوب المياة على الطرق من 3 إلى 5 أمتار في ظل وجود 692 مخرًّا للسيول فقط، وهذا غير كاف نهائيًّا ل27 محافظة، فضلًا عن النصف مليون جنيه بكل محافظة مخصص للسيول، في حين أن كل محافظة تحتاج إلى 400 مليون جنيه على الأقل لتطهير وصيانة وإنشاء عدد المخرات السنوية، لتفي باحتياجات نحو ألف و112 كفرًا ونجعًا وعزبة وقرية مهددة بالسيول خلال فصل الشتاء.