«إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، اصطفى الله ابني مهند إلى جواره الآن».. كلمات أنهت قصة شاب تجرع المرض داخل السجون المصرية، اعتقلته قوات الأمن عدة مرات منذ عام ديسمبر 2013 حتى مارس 2015، وفتح جراح الاعتقالات وزنازين الموت. كانت قوات الأمن ألقت القبض على مهند إيهاب، بالإسكندرية في 27 ديسمبر 2013، أثناء تصوير مظاهرة، وكان عمره حينها 17 عامًا، فأودع إصلاحية الأحداث بكوم الدكة، وصدر الحكم بسجنه 5 سنوات، تم تخفيفها في الاستئناف إلى 3 أشهر، وبعد قضاء المدة، ألقي القبض عليه مرة أخرى في 21 يناير 2015، وتم سجنه مرة أخرى، لنفس السبب "تصوير مظاهرة"، فسجن بالمديرية، وأودع سجن برج العرب في شهر مارس 2015 وكان عمره وقتها 19 عامًا. قال إيهاب حسن، والد مهند، إن ابنه توفي بعد معاناة مع المرض في مدينة نيويوركالأمريكية؛ خلال تلقيه علاجه من مرض السرطان الذي أصيب به داخل سجن برج العرب منذ أكثر من عامين، مضيفا عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن ابنه البالغ 19 عامًا، ألقي القبض عليه خلال تظاهرات أغسطس 2013، وخرج بعد عدة أيام بسبب حداثة سنه، وعام 2014 قبض عليه للمرة الثانية، وظل في سجن الأحداث بكوم الدكة لمدة 3 أشهر، خرج بعدها على ذمة القضية، وقبض عليه للمرة الثالثة في يناير 2015، وأودع في سجن برج العرب بالإسكندرية، أصيب خلالها بمرض سرطان الدم. ووجه الأب اتهاما لإدارة سجن برج العرب بالتعنت في علاج نجله، ما أدى إلى تدهور حالته بشكل كبير، قبل الإفراج عنه في 2015، ليسافر بعدها إلى نيويورك لتلقي العلاج الكيماوي، لكن الأطباء أخبروه أن الحالة متأخرة، وأن جلسات العلاج لن تجدى. «إنه شعري وذلك ليس اختياري، آمل أن أقصه المرة القادمة.. السرطان مؤلم».. كانت آخر تدوينة لمهند على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ناشرا صورة لكوب ماء وضع به شعره بعد أن تساقط نتيجة العلاج الكيماوي. وروى مهند مأساته مع المرض قائلا: «بدأت أرجع وأنزل دم من مناخيري ومقدرش أتكلم ومش عارف أمسك حاجة، ومش عارف أدخل الحمام لوحدي، رحت مستشفى السجن قالولي عندك أنيميا، وبعد كدا تايفود، ثم قيل ليّ فيروس في الكبد، وودوني مستشفى الحميات، معرفوش يشخصوا المرض.. مرة جه والدي وعرف ياخد التحليل ووداه معمل، قالوله سرطان دم، بس بعد كده فضلت لحد ما اتنقلت إلى المستشفى الميري، ووزني نزل 25 كيلو في شهر». بدأ مهند أثناء حبسه تلقي العلاج الكيماوي داخل أحد المستشفيات الأميري بالإسكندرية في شهر يونيو، وبعد تدهور صحته، ومع كثرة الشكاوى من أهله وأصدقائه، أُخلي سبيله على ذمة القضية أواخر يوليو، ليسافر إلى أمريكا حتى يتلقى العلاج، لتنتهي القصة بوفاته اليوم، ورغم أن الموت أنهى معاناته مهند مع السرطان، لكن مازال خلف القضبان مئات الشباب يواجهون مصيره، ويتجرعون صنوف العذاب والآلام داخل السجون. منتصف أبريل الماضي، ذكر المركز العربي الإفريقي للحريات وحقوق الإنسان، في بيان له، أن المعتقلين في السجون يعانون من الإهمال الطبي ومنع الأدوية عن أصحاب الأمراض المزمنة كالقلب والضغط والسكر، حيث يعاني ما يزيد على 420 معتقلا في سجن برج العرب من منع الدواء عنهم، كما يعاني 276 معتقلا من أمراض تحتاج إلى تدخلات جراحية عاجلة كالقدم السكري وعمليات قلب مفتوح وجراحات دقيقة، وتتعنت إدارة السجن في نقلهم لتلقي العلاج اللازم في مستشفى الميري الجامعي. ولا تقتصر معاناة المعتقلين من الإهمال الطبي على سجن برج العرب فقط، حيث وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش، سجن العقرب ب"المقبرة"، ورصد وفاة 6 معتقلين على الأقل داخله في الفترة ما بين مايو وأكتوبر 2015، اثنان منهم بسبب السرطان، والثالث بالسكري، بعد تأكيد أهالي المعتقلين الثلاثة بأن السلطات رفضت علاجهم، ولم تنظر فى أمر الإفراج المشروط عنهم لأسباب طبية. المنظمة وصفت في تقريرها الذي جاء تحت عنوان «حياة القبور» الانتهاكات التي يتعرض لها سجناء العقرب ب"الخطيرة"، مشيرة إلى انتشار التعذيب والإهمال الطبي في السجن، ما تسبب في وفاة 6 مساجين خلال 6 أشهر من عام 2015، موضحة أن "العقرب" يعد المحطة الأخيرة للمعتقلين في مسار القمع الحكومي، وطالبت السلطات المصرية بإنهاء الانتهاكات ضد معتقلي العقرب والسماح لأهاليهم ومحاميهم بزيارتهم، وتوفير المستلزمات الشخصية الأساسية لهم. النائب البرلماني السابق، زياد العليمي، نعى مهند إيهاب، قائلا: "النهاردة مهند مشي، سابنا وراح للي خلقه، بعد ما دخل السجون أكتر من مرة لإنه بيصور مظاهرات، والتهمة دي عقابها عند سجانه؛ السجن في ظروف سيئة وإهمال حالته الصحية، حتى وقت تلقيه العلاج الكيماوي لغاية ما اتوفى، اللي حصل مع مهند جريمة قتل عمد مش مجرد إهمال طبي". وأضاف العليمي في تدوينة مطولة عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "مهند فيه كتير زيه في السجون، كل تهمتهم إنهم قالوا للغولة في عينيها: عينك حمرا، والجدعان دول بيتعمل فيهم كل حاجة لتصفيتهم جسديًّا ونفسيًا، علشان يخرجوا زي مهند، أو يخرجوا منهارين نفسيًا ومايقدروش يقفوا على رجلهم تاني". وتابع: "الجدعان دول ماعندهمش 1.7 مليار جنيه بس يا حرام علشان يطلعوا على التليفزيون بفلوسهم يستعطفوا شعب مش لاقي يأكل، الناس دول ما سرقوش فلوس البلد ولا ولعوا في قطارات ولا باعوا أرضها، ولا قتلوا أولادها، ومرضوهم بصفقات غذاء فاسد، الناس دي مالهمش غيركم يدافعوا عنهم، حتى لو مختلفين مع رأي بعضهم، بس أكيد محدش فينا عاوز يعيش في بلد، تمن الخلاف في الرأي فيها، حياتك". واختتم: "مهند واللي زيه بكرة ممكن يكونوا بنتك.. إبنك أو أختك.. أخوك، حتى لو مالهوش علاقة بحاجة، فاللي في السجون ممسوكين ظلم كتير، ودفاعك عنهم، مش جدعنة ولا فضل، دفاعك عنهم علشان تعيش في بلد، ماتخافش إنك تبقى مكان الناس دي فيها في يوم من الأيام".