على عكس المتوقع بدأت الإدارة الأمريكية تسخين الملف السوري بدلًا من تهدئته، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما تنتهي ولايته بعد ثلاثة أشهر من الآن، الأمر الذي يقتضي خفض حدة التصريحات الأمريكية؛ حتى لا يتم فرض أجندة أوباما المتعلقة بسوريا على أحد مرشحي الرئاسة الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون، وهو الأمر الذي لم يحدث. تصريحات الخارجية الأمريكية بعد أيام من انهيار الاتفاق الروسي الأمريكي حول وقف إطلاق النار في سوريا في 19 سبتمبر الجاري، لم تستبعد الإدارة الأمريكية إمكانية توسيع العقوبات المالية ضد موسكو، على خلفية ما أسمته ب "دعم روسيا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد"، وقال جوش أرنست الناطق باسم الرئيس الأمريكي، تعليقًا على دعوات بعض الساسة الأمريكيين إلى فرض عقوبات جديدة ضد روسيا على خلفية التطورات في سوريا، إن "آفاق فرض عقوبات مالية إضافية ما زالت قيد الدراسة". الأربعاء الماضي صعدت واشنطن من لهجتها ضد موسكو، وخرجت الخارجية الأمريكية فجأة، لتعلن أن وقف التعاون بين موسكووواشنطن بشأن سوريا قد يؤثر سلبًا على روسيا، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي إن "استمرار الحرب الأهلية في سوريا سوف يدفع المتطرفين والجماعات المتشددة لاستثمار فراغ السلطة القائم في سوريا؛ ليواصلوا توسيع نطاق هجماتهم، التي دون شك، ستستهدف مصالح روسيا، بل ومن الممكن حتى تستهدف المدن الروسية نفسها. وسوف تستمر روسيا في إرسال جثث جنودها من سوريا إلى وطنهم، وفقدان الموارد وحتى الطائرات مرة أخرى". كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولاياتالمتحدة تستعد لوقف الحوار والتعاون مع روسيا في سوريا "إذا لم تُقدِم روسيا على خطوات فورية لوقف الهجوم على حلب". الرد الروسي لم يتأخر الرد الدبلوماسي الروسي، ففي يوم الخميس الماضي، اعتبر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف أن تهديدات واشنطن وتحذيراتها بشأن "خطر إرهابي يحدق بروسيا" بعد فشل الهدنة في سوريا تصب في مصلحة الإرهابيين، وتدل على إصابة الإدارة الأمريكية بانهيار عصبي، ودليل على انحدار الإدارة الأمريكية الحالية في اتجاه ممارسة سياسات منحطة تمثل "دعوة موجهة للإرهابيين لمهاجمة روسيا". كما اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، تصريحات الخارجية الأمريكية حول العواقب الوخيمة المحتملة لعملياتهم في سوريا "تهديد غير مقبول"، وأضاف إن خطة "ب" الأمريكية هي استخدام "النصرة" لإسقاط الأسد، وتابع: لا نريد أن نخدع مجددًا، وندعو واشنطن إلى تنسيق خريطة مواقع "النصرة" لمواصلة التعاون. ووصف ريابكوف تصريحات واشنطن بشأن تعليق التعاون مع روسيا بأنها عبارة عن سياسة تهديد وابتزاز، تستهدف فرض حلول تروق لواشنطن ووكلائها على روسيا، وبالتالي من المستحيل التوصل إلى تسوية وإلى استعادة الاستقرار على مثل هذا الأساس. وحذر من أن "واشنطن التي تضع الاتفاقات الخاصة بسوريا في خانة الشك تضر بعلاقاتها الثنائية مع موسكو". وعلى الرغم من إجراء مكالمة هاتفية، الخميس، بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف، إلا أنها لا تبدو في إطار ودي، لدرجة أن الوزير الأمريكي طلب من الطرف الروسي عدم الإعلان عن هذه المكالمة، ولكن بعد ساعة من هذا الطلب خرج الناطق باسم الخارجية الأمريكية، جون كيري، وأعلن عن المكالمة، لكنه لم يشر إلى الموعد المحتمل لتعليق التعاون مع موسكو بشأن سوريا، وشدد على أن تلويح واشنطن بهذا الخيار "ليس تهديدًا فارغًا". تهديدات أمريكا قابلها تصعيد روسي غير مبالٍ بالتصريحات الأمريكية، وأمس نقلت صحيفة "أزفستيا" عن مصدر عسكري روسي قوله إن روسيا أرسلت عددًا إضافيًّا من قاذفات "سو-24″ و"سو-34" إلى قاعدة حميميم العسكرية التي تستخدم طائرات سلاح الجو الروسي مطارها أثناء مشاركتها في مكافحة الإرهاب في سوريا، وإنها أعدت طائرات مقاتلة قاذفة من طراز "سو-25" للتوجه إلى سوريا. ومن جانبه قال الخبير فيودور لوكيانوف، وهو رئيس مجموعة الأبحاث الاستشارية المعروفة باسم "مجلس السياسة الخارجية والدفاعية"، إن تكثيف وجود سلاح الجو الروسي في سوريا قد يكون ردًّا على إحباط اتفاق وقف إطلاق النار. زيادة التواجد العسكري الروسي في سوريا قابله تأكيد دبلوماسي روسي بتمديد هذا التواجد، حيث قال الكرملين أمس الجمعة إنه لا يوجد إطار زمني لعملية روسيا العسكرية في سوريا، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف مع صحفيين، إن النتيجة الرئيسية لضربات روسيا الجوية ضد المتشددين الإسلاميين في سوريا على مدى العام المنصرم هي "عدم وجود الدولة الإسلامية أو القاعدة أو جبهة النصرة الآن في دمشق." واليوم أغلقت موسكو ملف التفاوض مع الإرهاب في وجه واشنطن، حيث أكدت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو لن تقبل أبدًا بإجراء أي اتصالات أو مفاوضات مع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة"، حتى لو ألقى إرهابيوها السلاح. حلب والتصعيد الأمريكي يبدو أن واشنطن غاضبة من نشاط الجيش العربي السوري وحلفائه في حلب المدينة الاستراتيجية، فالطرف الذي يحكم قبضته على حلب ستميل موازين القوى إلى جانبه، لذا تسعى الولاياتالمتحدة بكل قوتها لدعم الحركات الإرهابية المتواجدة في حلب، ك"فتح الشام" و"حركة أحرار الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني" و"جيش السنة" و"فيلق الشام" و"حركة نور الدين الزنكي" وغيرها من التنظيمات الإرهابية ذات الفكر الوهابي المتطرف، إما عن طريق التحجج بالملفات الإنسانية، أو عودتها للحديث عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، الحجج التي يبدو أن موسكو لم تعد تقبل بها، فالجيش السوري ما زال يحقق تقدمًا واضحًا في حلب، حيث يحكم سيطرته عليها أكثر فأكثر، ويحاصرها من كل الجهات، فميدانيًّا حققت وحدات الجيش والقوات المسلحة السورية تقدمًا ملحوظًا خلال عملياتها على أوكار التنظيمات الإرهابية في مدينة حلب بالسيطرة على عدد من كتل الأبنية في منطقة سليمان الحلبي في مدينة حلب، بالإضافة أن الوحدات القتالية وسعت نطاق سيطرتها باتجاه مشفى الكندي إلى الشرق من المخيم بريف حلب الشمالي، الأمر الذي يشير بوضوح لوجود رغبة سورية روسية إيرانية لحسم معركة حلب لصالحها.