نقص الأدوية، وفاة أطفال بمعاهد الأورام، أزمة لبن الأطفال، ارتفاع أسعار الأدوية، سيطرة السوق السوداء على الدواء، اختفاء مراكز علاج بعض الأمراض الخطيرة.. كوارث طلت برأسها الفترة الماضية والحالية، طالما طاردت وزارة الصحة، التي تعد المسؤول الأول والأخير عنها، ورغم النداءات والتحذيرات المتكررة، لكنها لم تكترث حتى تعاظمت المشاكل، نتيجة استراتيجية النفي أو التجاهل التي تتعامل بها الوزارة مع الأزمات. «اندوكسان» شبح يهدد حياة مرضى الأورام شهد سوق الدواء الفترة الماضية اختفاء عدد كبير من الأصناف الدوائية الحيوية, أبرزها أدوية القلب والضغط والحقن المذيبة للجلطات وحقن الrh، الضرورية بعد كل عملية ولادة، بالإضافة إلى غياب أدوية الفيروسات الكبدية. أبرز العقارات الحيوية الناقصة كان من نصيب أدوية الأورام، خاصة «اندوكسان» الذي يدخل بشكل أساسي في جرعات الكيماوي، حتى تسبب غيابه في وفاة عدد كبير من المرضى، خاصة الأطفال بمعاهد الأورام, وبحسب ما رصده المركز المصري للحق في الدواء مؤخرا، وفاة الطفلة دينا أحمد، والطفل السيد محمد السيد، والطفلة زينب أحمد، بمعهد أورام المنصورة، فضلا عن وفاة نحو 33 حالة داخل أحد المعاهد خلال الشهر الماضي فقط، الأمر الذي أثار حالة من الذعر بين أهالي المرضى. ولم تتوقف الكارثة عند الأطفال فقط، بل توفى عدد كبير من المرضى أيضا بسبب نقص عقار الاندوكسان، الأمر الذي أكدته والدة أحد المرضى ل«البديل» أن ابنها عبد الحميد أحمد أصيب بورم في العمود الفقري، وحالته كانت متأخرة؛ نظرا لعدم تمكنه من تلقي العلاج بسبب زيادة أعداد المرضى ما أثر على حالته، قائلة: «عندما بدأ نجلي في تلقي العلاج، توقف فجأة بسبب نقص عقار الاندوكسان الذي يدخل بصورة أساسية في العلاج بالكيماوي، ما تسبب في تدهور حالته الصحية فجأة، ثم توفى»، مضيفة: «بحثنا كثيرًا عن العقار في جميع معاهد الأورام والمستشفيات ولم نجده حتى توفى». نقص المحاليل الطبية يُعرض حياة الأطفال للخطر ولم تتوقف الأزمات الصحية عند كارثة نقص الأدوية الحيوية فقط، بل تخطت إلى اختفاء تام للمحاليل الطبية، ما تسبب في ضرر آلاف المرضى، على رأسهم مرضى الكبد، والغسيل الكلوي، والأورام، ومن أبرز أنواع المحاليل المختفية من سوق الدواء جولوكوز 5% و25% التي تستخدم لعلاج حالات الهبوط، ومحلول صوديوم كلورايد الذي يستخدم لحالات الهبوط في ضغط الدم. كما تضمنت قائمة النقص أيضا العديد من المحاليل التي تستخدم لعلاج حالات جفاف الأطفال التي تسبب غيابها في الكثير من الأزمات، حتى حذر الأطباء من كارثة وفاة الأطفال بسبب نقص محاليل الجفاف، فأكد أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، أن السوق الدوائي يعاني من نقص حوالي مليون عبوة من المحاليل الطبية، موضحا أن الاحتياج السنوى من المحاليل الطبية يصل إلى 9 ملايين عبوة، فى حين أن المتوافر حاليا 8 ملايين عبوة فقط، ما نتح عنه أزمة نقص المحاليل الطبية خلال الفترة الأخيرة. على الجانب الآخر، نفى الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، وجود أزمة في المحاليل الطبية، مضيفا أن الوزارة شكلت لجنة لفحص المحاليل التي تخرج من الشركات المنتجة والموزعة إلى المستشفيات الحكومية، وتأكدت من عدم وجود أزمة في نقص المحاليل، متابعا أن هناك مخزونا كبيرا لدى الوزارة. وقال خيري عبد العظيم، أخصائي الأطفال: «للأسف، وزارة الصحة تنفي الأزمة برمتها، لكنها تعلم جيدًا وجودها بشكل حقيقي، وقد تؤدي إلى حدوث كارثة وفاة ملايين الأطفال بسبب نقص المحاليل التي تستخدم بصورة مباشرة لعلاج الجفاف لدى الأطفال، خاصة أن المستشفيات تعاني نقصا كبيرا في محاليل الجفاف، ونتخوف من اختفائها بصورة تامة»، مطالبا وزارة الصحة باتخاذ حذرها قبل وقوع الكارثة. مرضى «دوشين» يصرخون من غياب المراكز العلاجية معاناة يعيشها مرضى دوشين أو ضمور العضلات الذي يصيب شخصا بين 3300، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، ويعد المرض وراثيا وينتج عن خلل في جين الديستروفين المسؤول عن صنع وتنظيم البروتين الذي يعمل علي الألياف بالجسم. ورغم ظهور المرض في مصر منذ عدة أعوام، إلا أننا نفتقر إلى وجود مراكز علاجية للمرضى, ما يؤدي إلى تأخر حالاتهم يترتب عليها إصابتهم بالعجز, وتفاقمت أزمات مرضى دوشين عندما أدرجتهم الدولة منذ فترة، ضمن شريحة المعاقين، فيما يخص الحصول على فرص عمل, وتكمن خطورة المرض في كونه وراثيا؛ أي يصيب أكثر من شخص في أسرة واحدة. وأكد راضي محمد، أستاذ المخ والأعصاب، إن مرضى دوشين يعانون من عدم وجود أي مركز علاجي واحد لهم أو حتى لتشخيص حالتهم، متسائلا: كيف تغفل وزارة الصحة افتقار مصر لمراكز علاج لمرض خطير مثل ضمور العضلات؟ موضحا أن المرض ينتج عن خلل في جين الديستروفين المسؤول عن صنع وتنظيم البروتين الذي يعمل على الألياف بالجسم، مختتما: «رغم نداءات واستغاثات المرضى، إلا أن وزارة الصحة لم تتحرك لتوفير مراكز علاج للمرضى حتى الآن». وقال محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن توفير المراكز العلاجية لمرضى ضمور العضلات يعتبر حلمًا، لكن الأمر لا يتوقف عليهم فقط، بل هناك أيضًا مرضى ضمور المخ وعددهم حوالي 30 ألف جميعهم أطفال، إلى جانب مرضى التصلب المتعدد، مطالبا وزارة الصحة بالنظر لهؤلاء المرضى بعين الاهتمام. «الصحة» تعجز أمام أزمة لبن الأطفال وتعاظمت أزمة نقص لبن الأطفال في الفترة الحالية, وبرغم استغاثات الأهالي منذ عدة أشهر، إلا أن وزارة الصحة تغافلت المشكلة حتى تحولت إلى أزمة، أدت إلى اعتصام عدد كبير من المواطنين أمام الشركة المصرية للأدوية مطالبين بتوفير اللبن المدعم لأطفالهم، خاصة بعد اختفائه من الصيدليات ومنافذ التوزيع. وتحركت وزارة الصحة باتخاذ عدة قرارات وشروط لتوزيع اللبن على الأهالي، أبرزها ولادة توأم أو أكثر، والتوقف الكامل عن الرضاعة الطبيعية، وعدم كفاية لبن الأم «ضعف إدرار» يحدده طبيب الرعاية الصحية الأولية، وإصابة الأم بمرض مزمن مثل السكر أو الضغط أو أي مرض يستوجب استخدام أدوية يتم إفرازها في لبن الأم وتنفر الرضيع، مثل الروماتويد أو مرض عقلي شديد أو مرض موضعي بالثدي، أو وفاة الأم، لتثير حفيظة وغضب الأهالي، الذين رأوها تعسفية ومهينة. وقال هيثم راضي، صيدلي، إن وزارة الصحة أغفلت مشكلة نقص لبن الأطفال حتى تحولت لأزمة كبيرة، مؤكدا ل«البديل» أن الصيادلة نادوا مرارًا وتكرارًا منذ عدة أشهر حتى اليوم، لكن الوزارة لم تستجب، ولم تجد حلا إلا تحديد شروط متعسفة لصرف اللبن. على الجانب الآخر، قرر وزير الصحة خلال اجتماعه برؤساء القطاعات ومديري الشؤون الصحية بالمحافظات، متابعة سير منظومة ميكنة الصرف، واستمرار العمل بالطريقة الورقية لصرف ألبان الأطفال المدعمة، لحين استخراج الكروت الذكية، مؤكدا زيادة عدد منافذ صرف الألبان المدعمة إلى 1600 منفذ بدلا من 1005 بنهاية الشهر الجاري.