في الوقت الذي أصدرت الحكومة التونسية أول أمس بيانًا رسميًّا تفيد بأنه تم خفض 500 دولار شهريًّا من رواتب 40 وزيرًا وكاتبًا يعملون بالدولة؛ تمهيدًا لإعلان إجراءات تقشف كان رئيس الوزراء يوسف الشاهد تعهد باتخاذها في حالة استمرار التعثر الاقتصادي، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يطالب المصريين بالتقشف وترشيد الاستهلاك؛ للخروج من الأزمة الاقتصادية الجارية، بينما رفع المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، رواتب أعضاء حكومته إلى ما يعادل 32 ألف جنيه شهريًّا. تأتي هذه الخطوات الجديدة والإجراءات الصارمة التي بدأ تحميلها على المواطن المصري وحده عبر رفع الأسعار وقوانين وتشريعات تُحمله تبعات برنامج الحكومة الاقتصادي، خاصة بعد إعلانها الوصول إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي لإقراضها 12 مليار دولار على ثلاث دفعات، ضمن برنامج تمويلي قد يصل إلى 30 أو 35 مليارًا؛ لتخطي الأزمة الاقتصادية الجارية. مستشارون يتقاضون 200 مليار جنيه سنويًّا لا تكمن الأزمة في الأرقام التي تعلنها الحكومة، ولكن في البدلات والمكافآت وتكلفة الحراسة والانتقالات التي لا يتم إدراجها ضمن الكشوف الحكومية، والتي يمكنها أن توفر راتبًا لملايين العمال المهددين بالفصل والتشرد؛ جراء بيع شركات قطاع الأعمال، حيث تصل أجور المستشارين العاملين في الوزارات إلى ما يقرب من 200 مليار جنيه سنويًّا بحسب مصدر مسئول في الجهاز المركزي للمحاسبات. كما يحصل المسؤولون على بدلات أخرى إضافية من ميزانية الصناديق الخاصة الموجودة فى معظم الوزارات، والتي تصل في بعض الأحيان لنحو 3 ملايين جنيه داخل صندوق واحد من صناديق تحسين الخدمة الملحقة بمديريات الصحة في كافة محافظات مصر بحسب تقارير رسمية عديدة صادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا يتم ضمها إلى الموازنة العامة للدولة. في حين يعاني أكثر من 26% من الفقر، ووصلت النسبة إلى 50% في الصعيد، حتى صاروا "متقشفين بالوراثة"، وفقًا لآخر دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في ديسمبر الماضي. إرادة سياسية غائبة "إحنا في مصر ما عندناش إرادة سياسية للتقشف".. هكذا لخص الدكتور جمال زهران، البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، والذي أكد أن إهدار المال العام يجري في كل قطاع ومؤسسة حكومية مصرية دون رادع أو رقيب. كما أن غياب تقديم المسؤول إقرار الذمة المالية الخاصة به بحسب نص المادة 109 من الدستور التي جاء في إحدى فقراتها ما يلي: ويتعين على العضو البرلماني تقديم إقرار ذمة مالية، عند شغل العضوية، وعند تركها، وفى نهاية كل عام"، فضلًا عن وجوب عدم تقاضيه أي أموال أو منح ومكافآت من جهات أخرى، وهو ما لم يلتزم به غالبية أعضاء مجلس النواب الواقعين تحت سلطة جهاز الكسب غير المشروع والمهددين بالحبس حال عدم التزامهم بنص الدستور. كما تنص المادة 20 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع على أن: "كل من تخلف عن تقديم إقرارات الذمة المالية في المواعيد المقررة، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيهًا، ولا تزيد على خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه، ولا تزيد على ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل ما ذكر عمدًا بيانات غير صحيحة في تلك الإقرارات". مرسيدس لرؤساء الجامعات وأعلن زهران في تصريحات خاصة أن جميع رؤساء الجامعات المصرية يمتلكون سيارات مرسيدس، ثمن الواحدة منها لا يقل عن مليون جنيه، مضيفًا أن كافة المسؤولين في الحكومة المصرية لم يتقدموا بإقرارات الذمة المالية الخاصة بهم حتى الآن، باستثناء رئيس الوزراء السابق الدكتور حازم الببلاوي. وحتى يتم محاكاة النموذج التونسي في تطبيق إجراءات التقشف على المسؤول، يجب أولًا أن يصدر قرار رئاسي عاجل بتطبيق الحدين الأقصى والأدنى للأجور على الجميع في كافة مناصب الدولة الرسمية بلا استثناء، قائلا: "واللي مش عاجبه يمشي". تخفيض رواتب الوزراء وأسطول السيارات وعن حزمة الإجراءات العاجلة التي ينبغي على الدولة المصرية اتخاذها في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، طالب البرلماني السابق أمين إسكندر، أحد مؤسسي حزب الكرامة، أن يتم تخفيض رواتب الوزراء إلى الثلث، وحظر تقاضيهم أي بدلات أو حوافز ومكافآت أخرى خارجية، وتخفيض النفقات الباهظة التي تتم لأسطول السيارات الفاخرة الخاصة بالوزراء والمحافظين، فضلًا عن مراجعة القواعد المالية الخاصة ببدلات الجلسات التي تصل إلى 1000 جنيه في الجلسة الواحدة لكل برلماني أو مسؤول حكومي. إعلان التقشف الواحد ب 150 ألف جنيه شهريًّا وأبدى إسكندر غضبه الشديد من الحملات الإعلانية المنتشرة في الشوارع المصرية عن "التقشف" تحت عنوان "يا مصر.. بالإصلاح الجريء نقصر الطريق"، وغيره من إعلانات "out door" التي غزت كوبري أكتوبر وأمام جامعة القاهرة وعند حديقة الحيوان وعلى طريق المحور وغيرها من الطرق الصحراوية المصرية؛ مما أثار استفزاز المواطن المصري في ظل حالة البذخ والرفاهية الحكومية، خاصة أن قيمة تأجير الإعلان الواحد من الحي أو المحافظة تتراوح ما بين 100 – 150 ألف جنيه شهريًّا. ومن جانبه طالب النائب البرلماني أحمد الطنطاوي بأهمية وقف هذا البذخ والتصرف الذي يجري برفاهية، والمواجهة الحاسمة مع الفساد، واسترداد أموال الشعب؛ حتى يشعر المواطن المصري بدوره الكبير تجاه الوطن، وتعميق شعور الانتماء لديه؛ حتى يبدأ في ترشيد الاستهلاك من تلقاء نفسه، بدلًا من أن يُفرض عليه.