حضر 200 عالم سني من مختلف الدول العربية والإسلامية مؤتمر « أهل السنة والجماعة» في الشيشان والذي بدأ منذ عدة أيام، والذي طالب بالتوقف عن الجدال والتنظير الدائر، والانشغال بصغائر الأمور لتفويت الفرصة على الجماعات الإرهابية التي تستغل ذلك لصياغة مناهجها التدميرية. وأثنى الجميع على المؤتمر منذ بدايته في العاصمة الشيشانية «جروزني»، حيث أكد المشاركون أن هذا التجمع سوف يسهم بشكل جاد في إطفاء الحرائق والحروب اللاإنسانية، لكن في نفس الوقت أثار المؤتمر غضب السلفيين والوهابيين الذين استثناهم المؤتمر حيث لم يحضر أي شخص من علماء السعودية، فيما شارك في هذا المؤتمر، وفدا مصريا برئاسة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ضم كلا من شوقي علّام مفتي مصر، وعلي جمعة، وأسامة الأزهري مستشار الرئيس. لماذا جروزني؟ جروزني هي العاصمة الشيشانية وهي إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، وتقع في شمال شرق منطقة القوقاز، وكانت هذه العاصمة بالأمس مهدمة بعد الحرب الروسية على الجماعات المتطرفة هناك، لكن تبدو اليوم حديثة وجميلة، وصارت واحدة من أجمل المدن الأوروبية ويقول عنها الروسيون إنها أصبحت رمزا للسلام وللإسلام المعتدل. وهذه المدينة التي شهدت حرب دامية بين القوات الروسية والمتمردين استمرت مئات الأعوام، وكانت شاهدة على الاضطهاد الديني للمسلمين في العهد الشيوعي بروسيا، أصبحت الآن مليئة بالمساجد حيث تم إنجاز بناء المسجد الجامع "قلب الشيشان"، الجامع الرئيسي في جروزني، والأكبر في أوروبا، الذي يتسع لعشرة آلاف شخص، خلال عامين فقط، وإلى جانبه أقيمت الجامعة الإسلامية ودار الإفتاء. كما افتتح أحمد الطيب، شيخ الأزهر خلال زيارته الأخيرة لجروزني مسجد الحاج يوسف القلقشندي بقرية القلقشندي شمال العاصمة الشيشانية ، وأدى "الطيب" صلاة الجمعة في المسجد بحضور الرئيس الشيشاني رمضان قديروف. استثناء السعودية والسلفيين مؤتمر الشيشان استثنى علماء السعودية، فيما أكد كثيرون أن هذا الاستثناء انطبق على الوهابيين فقط حيث حضر من السعودية الباحث حاتم العوني الذي أكد على صفحته بأن التوجه العام في المؤتمر كان يقتصر على الأشعرية والماتريدية. ويأتي استثناء الوهابيين بحسب البعض لأنه بات واضحًا في الفترة الأخيرة تكفيرهم للكثير من علماء الأمة، الأمر الذي أدى إلى كثرة وانتشار الجماعات التكفيرية، إلا أن هذا الاستثناء أثار غضب الكثير من السلفيين، وأكدوا أن هذا المؤتمر تعمد استثناء التيارات السلفية ولم يتم دعوة المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج في هذا المؤتمر الذي كانت تغلب عليه الطبعة الصوفية، بالإضافة إلى إصدارهم بيانا أعربوا من خلاله على اتفاقهم على وصف أهل السنة والجماعة بأنهم هم "الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وهم أهل المذاهب الأربعة في الفقه وأهل التصوف"، في حين تجاهلوا إضافة "أهل الحديث". ماذا كان رد فعل السعوديين ؟ السعوديون شنوا هجمة شرسة على من حضروا مؤتمر الشيشان، فقال الأمير السعودي، الدكتور خالد آل سعود في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» : «مؤتمر الشيشان .. كيف يكون مؤتمر لعلماء المسلمين ويحضره " الحبيب الجفري »، فيما علق الكاتب السعودي محمد آل الشيخ، على صفحته الرسمية على موقع التغريدات القصيرة «تويتر» قائلاً: "مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر جروزني الذي أقصى المملكة من مسمى أهل السنة يحتم علينا تغيير تعاملنا مع مصر فوطننا أهم ولتذهب مصر السيسي». وأضاف آل الشيخ فى تغريدة أخرى «كنا مع السيسي لأن الإخوان والسلفيين المتأخونين أعداء لنا وله، أما وقد أدار لنا ظهر في جروزني وقابلنا بالنكران فليواجه مصيره منفردًا». ويبدو أن هذه التغريدات والتصريحات توضح مدى الغضب السعودي الناتج عن نتائج هذا المؤتمر، والذي أكد فيه المشاركون أن المؤتمر يعد نقطة تحول مهمة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطر الذي طال مفهوم أهل السنة والجماعة أثر محاولات اختطاف المتطرفين هذا اللقب. وبصورة سياسية رأى البعض أن هذه المؤتمر ضربة روسية سياسية للسعودية كون المؤتمر انعقد في العاصمة الشيشانية وهي إحدى الجمهوريات الروسية، حيث أحرج المؤتمر الكثير من العلماء الذين يأخذون من الوهابية مصدر للتحدث عن الدين الإسلامي، وتقول روسيا أنها تحارب هذا الفكر كونه منتشرا في سوريا ومناطق القوقاز الروسية لذا من الأفضل تعريف الإسلام الصحيح ، ولكن هذا الأمر رد عليه علماء السعودية بأن هذا المؤتمر برعاية روسية للاستفادة منه في الأحداث الدائرة في سوريا. من جانبه؛ قال الدكتور عبد الهادى القصبى شيخ مشايخ الطرق الصوفية إن هذا المؤتمر الدولى والذى يعقد فى الشيشان جاء فى وقت مهم جدًا نظرًا لما يشهده العالم من تطرف وإرهاب سواء فى المجتمع العربى أو الأوروبى، مؤكدا أن مصر كمنبر للوسطية السنية فى العالم يسعدها أن تشارك فى هذا المؤتمر فى الشيشان، ولن نألو جهدا فى التعاون البناء معهم من أجل مستقبل أفضل يجمع الأمة كلها. روسيا ورئيس الشيشان كثيرون لا يعرفون جيدا الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف والذي كان حاضرًا بشكل واسع في مؤتمر جروزني، فهو نجل الزعيم الشيشاني أحمد قاديروف، وهو الرئيس الأقرب إلى قلب الرئيس فلاديمير بوتين، وتولى رئاسة الشيشان بعد اغتيال والده وأيضا رئيس الوزراء الشيشاني في 2007، وكان عمره لا يتعدى آنذاك ال30 عاما، ويعتبر واحداً من أكثر المقربين إلى الكرملين. ورمضان قاديروف قرر أن يهب حياته دفاعاً عن روسيا، وعن الرئيس، فلاديمير بوتين، وأعلنها صراحة في مناسبات عدة، وعلى صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ودائما ما يرددها أمام جيشه وجنوده؛ بأن رئيس الشيشان وجنود الشيشان جميعهم مستعدون للتضحية من أجل الرئيس بوتين، ومن أجل الدفاع عن روسيا، كما ظهر في شريط مصور أمام حشد كبير من الجنود الشيشانيين، وهو يؤكد أنه مستعد للموت من أجل روسيا والرئيس بوتين.