تتأثر العلاقات الدولية بالتوزيع المتوازن وغير المتوازن لعناصر القوة بين الوحدات المكونة للنظام الدولي، فنظام توازن القوى يعبر عن الحالة التي تتميز بالتوزيع المتوازن أو شبه المتوازن للقوة، والتأثير بين القوى الأساسية داخل النظام السياسي الدولي، أو عن أوضاع التكافؤ أو التقارب في القوة. ومن ثم فإن نظام توازن القوى يأتي للتعبير عنوصف لحالة تعادلية أو شبه تعادلية بين عدة قوى مؤثرة ومتضادة، بينها قدر من الترابط، بحيث يخلق هذا الوصف نظاماً دولياً يجعل هذه القوى المؤثرة تتصرف على ضوء مجموعة من القواعد المحددة، بما يحفظ الاستقرار والأمن الدولي،إذ ينسب إلى نظام توازن القوى، أنه وفر الأداة نحو ضمان السلم الدولي، بصورة لم يكن في مقدور أي أداة أخرى أن تحققها. ويرتكز مبدأ توازن القوى على ركيزتين أساسيتين، الأولى: أن الدول الأطراف في تجمعات ومحاور القوى المضادة يجمعهما هدف واحد، هو الإبقاء على الاستقرار السائد في علاقات القوى وردع العدوان. والثانية: أنه في أي موقف دولي، فإن التوازن يتحقق عن طريق نجاح نظام توازن القوى في توليد ضغوط متعادلة ومتعاكسة، وبذلك يمكن تفادي أي اختلال في علاقات القوى في توزيعاتها القائمة. وفي حالة عدم وجود تكافؤ في ميزان القوى، تلجأ الدول التي تعاني من اختلال في ميزان القوى، أو الدول المهددة بحدوث هذا الاختلال، إلى سياسة بديلة لتحقيق حالة من التوازن، وهي سياسة تمرير المسؤولية إلى الآخرين، وبمقتضاها تنتهج دولة ما تعرضت إلى تهديد أو عدوانمن قبل دولة أخرى، بعض الاستراتيجيات والسلوكيات التي يمكن أن تمكنها من نقل عبء ردعالدولةالتي تهددهاأو تعتدي عليها، ويصعب عليهااحتوائها أو كبح جماحها، إلى دولة أخرى – أو إلى مجموعة من الدول – لتقوم بهذه المهمة الشاقة بدلاً منها، فيما تظل هي محاطة بسياج منيع من الأمان والحماية، بعيداً عن المواجهة المباشرة، أو الاصطدام المسلح. وعطفاً على ما سبق، فإن الدولة المهدَدة تتبنى هذه الوسيلةتفادياً لتهديدات أو لعدوان خصمها، حيث تعد هذه الوسيلة من أنجع الوسائل التي يتم بواسطتها تحقيق الغايات، على النحو الذي يمنع الطرف الذي يهدد الدولة التي تلجأ إلى هذه السياسة، من أن يستخدم ضدها القوة العسكرية أو الوسائل القسرية أو الإكراه، وبذلك يتحقق لها في بعض الحالات تقريباً نفس درجة الاستقرار والسلم المبنيان على سياسة توازن القوى. وينبغي للدولة التي تستشعر وجود تهديد أو خطر قادم من أحد خصومها الأقوياء، أن تلجأ إلى تطبيق بعض الإجراءات والتدابير، وهي بصدد تمرير المسؤولية إلى الآخرين، حتى يتسنى لها تحقيق تلك الغاية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أن تسعى هذه الدولة نحوإقامة علاقات دبلوماسية جيدة على قدر المستطاع مع الطرف الذي يهدد أمنها ومصالحها وسياستها، والبعد تماماً عن ارتكاب أية أعمال أو تصرفات أو تبني أية سلوكيات، تؤدي إلى إثارة واستفزاز هذا الطرف، بغية تحويل انتباهه إلى الدولة التي تُمرَر إليها المسؤولية. وخير مثال على ذلك، المحاولة التي قامت بها كل من فرنسا والاتحاد السوفيتي، بغرض تمرير المسؤولية من إحداهما إلى الأخرى، لعدم مواجهة المخاطر والتهديدات الصادرة عن ألمانيا النازية، ومن أجل تحقيق تلك الغاية، بادر كلا الطرفين بالتوجه نحو إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع هتلر، لكي يتجنب كلا منهما الاصطدام المسلح بألمانيا النازية، أملاً في أن يركز هتلر انتباهه على الطرف الآخر، ويدخل معه في صدام مسلح مباشر. بيد أن استراتيجية تمرير المسئولية إلى الآخرين ليست بلا مخاطر أو تبعاتٍ جسام، فعلى سبيل المثال، قد تخفق الدولة التي تُمرَر إليها المسئوليةفي بعض الأحيان، في التصدي لخطر الخصم المعتدي وردعه، وفي هذه الحالة فلن تتحقق الغاية المرجوة من اتباع هذه الوسيلة. وخير مثال على ذلك، نجاح الاتحاد السوفيتى في تمرير المسؤولية إلى كل من فرنسا والمملكة المتحدة، اللتين شكلتا تحالفاً لإيقاف خطر وعدوان ألمانيا النازية ولتحقيق التوازن، وقد تخيل الاتحاد السوفيتي بأن نجاحه في تمرير المسؤولية إلى كل من فرنسا والمملكة المتحدة سيجنبه المخاطر المتوقعة من الاصطدام بألمانيا النازية، ظناً منه أن فرنسا والمملكة المتحدة ستدخل في حرب طاحنة ومستمرة مع ألمانيا النازية، تنهك قوة الطرفين، وبالتالي فلن يطاله الخطر أو التهديد. ولكن الفيرماخت (القوات المسلحة الألمانية) نجحت في وقت وجيز، لم يتجاوز ستة أسابيع في اجتياح فرنسا، وقدمنح هذا الأمر فرصة ثمينة لهتلر لمهاجمة الاتحاد السوفيتي دون خوف على جناحه الغربي. وبالتالي فإن قيام الاتحاد السوفيتي بتمرير المسؤولية بدلاً من أن يحقق له أهدافه وغاياته انقلب وبالاً وشراً عليه، فبدلاً من أن يتوجه الاتحاد السوفيتي نحو التحالف مع فرنسا والمملكة المتحدة، للاشتباك مع ألمانيا النازية والوقوف أمام هذا الخطر الداهم وصده، انتهى به المآل إلى خوض حرب بمفرده أصعب بكثير مما كان عليه الأمر، لو لم يقم بتمرير المسؤولية إلى الآخرين.