يمتلىء تاريخ مصر الثقافي بالعديد من الرواد الذين تركوا بصمة في مجال عملهم، لكنهم تعرضوا للظلم ولم يظهر إنتاجهم الأدبي بالشكل اللائق، ولم يكرموا بطريقة مناسبة، سواء في حياتهم وبعد مماتهم، على رأسهم الكاتب والمترجم زهير الشايب. ولد "الشايب" في قرية البتانون بالمنوفية عام 1935، وحصل على دبلوم المعلمين عام 1957 والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1959، وأتقن اللغة الفرنسية، الأمر الذي أهله لدخول مجال الترجمة بقوة. أخذ الكاتب على عاتقه مهمة ترجمة موسوعة "وصف مصر" التي قدمت في 20 مجلدًا، وساهم في كتابتها أدباء وأطباء ولغويون وعلماء آثار من الحملة الفرنسية، ورغم أن التصدي لترجمة عمل مثل هذا يحتاج إلى فرق عامل كامل ودعم مؤسسي كبير، إلا أن "الشايب" قرر حمل المهمة على عاتقه بمفرده ودون عون من أحد. عكف "الشايب" على ترجمة الجزء تلو الآخر، حيث ترجم 9 مجلدات، بجانب المجلد العاشر الذي حمل الخرائط التي تحدد حدود مصر بالداخل والخارج، تكفل بنشر 4 منها على نفقته الخاصة إلى أن تولت دور نشر الخانجى ومدبولى والشايب، وبعدهم هيئة الكتاب طباعتها، لكنه للأسف توفي أثناء ترجمته للمجلد الحادي عشر وأكملته ابنته منى، التي سارت على درب أبيها وصدر المجلد بعد وفاته بسنوات. لم يكتف أديبنا بالعكوف على الترجمة فقط، إنما امتلك رصيدا أدبيا وقصصيا، فأصدر مجموعته القصصية الأولى "المطاردون" عام 1970، وفيها تحدث عن حياة المهمشين في المجتمع، بجانب مجموعته الثانية "المصيدة" عام 1974، التي استكمل فيها حديثه عن المهمشين ومقاومتهم من أجل الحياة الكريمة، فضلًا عن كتابه "السماء تمطر مطرًا جافًا" الذي يعتبر شهادة عن الواقع الفعلي بسوريا أثناء الوحدة بين مصر ودمشق، حيث صادف أن "الشايب" عمل مدرسًا في مدينة حماة السورية خلال فترة الوحدة المصرية السورية، وصدرت الطبعة الأولى منه عام 1979 عبر دار المعارف. عانى الشايب الأمرين خلال حياته الصحفية؛ فعندما انتقل للعمل في مجلة أكتوبر بعد عمله في مجلة الإذاعة والتليفزيون، اصطدم بسطوة أنيس منصور الذي وقف في طريق عضويته لنقابة الصحفيين، بل كان سببًا في إقالته من عمله بالصحافة، حسبما ذكر الكاتب جميل عارف في كتابه "أنا وبارونات الصحافة"، لكن الله كافأه في نفس أسبوع إقالته بحصوله على جائزة الدولة التشجيعية من المجلس الأعلى للثقافة، بجانب منحه وسام الجمهورية من الرئيس السادات. بعدها تدخلت جيهان السادات وطلبت من زوجها مساعدة الكاتب الشاب، فتم تعيينه في جريدة الأخبار في القسم الخارجي، تحت رئاسة موسى صبري، الذي اعتبره إضافة للمكان، لكنه لم يستمر كثيرًا فرحل عنها، وأغلقت في وجهه جميع السبل، ثم فتحت له طاقة أمل جديدة بدعوة من الكاتب الصحفي سيد نصار الذي أقنعه بالانضمام لفريق عمل جريدة جديدة ستصدرها قطر اسمها "يوليو"، وبالفعل سافر والتقى بوزير الإعلام القطري واكتشف أن الجريدة ستقوم على أكتافه هو ونصار وصحفي ثالث فرفض وطالب بوجود 30 محررًا، فكان نتيجت ذلك أن فسخ عقده وعاد إلى مصر بعد شهرين فقط من سفره لتداهمه بعدها ذبحة صدرية ويرحل عن عالمنا في 3 مايو عام 1982. ورغم ما قدمه لمصر من إنتاج سواء في الترجمة أو المجال الأدبي، إلا أنه لم يلق الاهتمام الكافي من قبل وزارة الثقافة أو حتى المؤسسات الثقافية المعنية بالكتاب، حتى محافظته المنوفية التي ولد بها اكتفت بإطلاق اسمه على حارة صغيرة بها منزله في مسقط رأسه قرية البتانون، وتجاهلت الاحتفال بذكراها ليرحل عنا ويكتفي بقلب "المظلوم حيًا وميتًا".