سلسلة متتالية من إيقاف الصحف تشهدها السودان في الفترة الأخيرة، تحت أسباب تتعلق بحماية الأمن القومي وأخرى غير واضحة، الأمر دفع جمعيات صحفية إلى دعوة السلطات السودانية إلى احترام الصحافة، واللجوء إلى القضاء إذا ما ارتأت تجاوزا من إحدى الصحف وعدم مواصلة المصادرة دون أسباب. وصاحب مصادرة السلطات السودانية أعداد صحيفتي «الصيحةۚ» و«التغيير» المستقلتين بعد طباعتهما الأربعاء، ثلاثة أيام متتالية، جدل واسعًا داخل الوسط الإعلامي، لاسيما أن الصحف المصادرة أكدت أنها ستتكبد خسائر كبيرة، فضلًا عن التخوف من تزايد المضايقات التي ستتعرض لها هذه الصحف في المستقبل إذا ما خرجت عن السياق الحكومي، حيث فتحت هذه الإجراءات الباب إلى التكهن بإمكانية عودة التضييق على حرية النشر والتعبير في البلاد، رغم الوعود الحكومية برفع الرقابة وفتح الباب كاملا أمام حرية النشر والتعبير. المصادرة نتيجة انتقاد الحكومة واعترض اتحاد الصحفيين السودانيين على هذه المصادرات، مبديا رفضه المساس بحرية الصحافة والعمل الصحفي، وطالب بأن يكون القضاء الفيصل في مراجعة أي أضرار تنتج عن الممارسة الصحفية. وقال النور أحمد النور، رئيس تحرير صحيفة «الصيحة»، إن أفرادا يتبعون جهاز الأمن والمخابرات صادروا نسخ الصحيفة من المطبعة بعد طباعتها فجر الأربعاء دون إبداء أسباب، كما أكدت سمية سيد، رئيس تحرير «التغيير» أن صحيفتها تعرضت أيضاً لإجراء مماثل، لكن الأمن أبلغها أن السبب يعود «لمقال الكاتب بالصحيفة حيدر المكاشفي»، الذي عادة ما ينتقد أداء الحكومة، وكان المكاشفي كتب الأسبوع الماضي، مقالاً سرد فيه حوادث «اختفاء غامض» لبعض السياسيين والناشطيين منذ وصول الرئيس السوداني عمر البشير إلى السلطة في 1989. الغضب الحقوقي والإعلامي ويرى حقوقيون أن القانون لا يعطي للسلطات السودانية الأمنية حق تعليق الصدور دون حكم قضائي، لكن ترفض الحكومة السودانية ذلك، ويجادل المسؤولون الحكوميون بأن هناك قانون يتيح للجهاز تعليق الصحف في حال نشرها موادا «تضر بالأمن القومي»، والغضب تزايد أيضا من قرار المجلس القومي للصحافة والمطبوعات خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، بتعليق صدور صحيفة "الجريدة" السودانية لمدة ثلاثة أيام على خلفية إعلان تم نشره في الصحيفة. من جهتها، أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: "تعليق صدور صحيفة الجريدة يتنافى مع مبادئ حرية التعبير ومواثيق العمل الصحفي، التي تحظر مصادرة الصحف"، مضيفة: "اعتادت السلطات السودانية على انتهاك المواثيق الدولية والدستور السوداني، فسبق أن صادر جهاز الأمن 14 صحيفة يومية في فبراير الماضي، وعلق صدور عشرات الصحف إلى أجل غير مسمى، دون اللجوء إلى القضاء، بزعم "تجاوز الخطوط الحمراء"، كما يعاني الصحفيون من الاعتقالات والاستدعاءات؛ بسبب قضايا متعلقة بالنشر. وطالبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان السلطات السودانية بالتوقف عن مصادرة الصحف أو تعليق صدورها، على خلفية قضايا نشر، واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والتجمع السلمي. تكرار المشهد وعادة ما يتكرر في السودان تعليق صدور الصحف لفترات متفاوتة ومصادرة نسخها بعد طباعتها دون أحكام قضائية، فللسلطات السودانية تاريخ في هذا الأمر، حيث أغلقت خلال السنوات الأخيرة عدة صحف، كلما نشرت موادا تتعلق بالفساد أو الأداء الحكومي وغلاء الأسعار وغيرها، ففي السادس عشر من ديسمبر الماضي، علقت السلطات السودانية صدور صحيفة "التيار" إلى أجل غير مسمى؛ لتناول الصحيفة بالنقد خططا حكومية برفع الدعم عن الوقود والكهرباء والقمح. كما اعتقلت السلطات بعد يومين من الإغلاق رئيس تحرير وناشر صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، وألقت في اليوم ذاته القبض على رئيس تحرير صحيفة الصيحة، أحمد يوسف التاي، كما قامت السلطات الأمنية السودانية بمصادرة عدد الأحد 27 مارس 2016، من صحيفة الأيام السياسية المستقلة، بعد إعدادها للطباعة. وبسبب هذه المضايقات والممارسات تجاه الصحفيين، نفذ كثيرون منهم إضرابات جزئية عن العمل، ووقفات احتجاجية، رفضا لما أسموه الهجمة الشرسة على حرية الصحافة، مطالبين برفع الرقابة القبلية والبعدية عن الصحف، بجانب إطلاق زملاء لهم اعتقلوا، وتقول السلطات السودانية إنها تتخذ إجراءاتها وفقا للقانون، واستنادا إلى مادة في الدستور تتيح التدخل في العمل الصحفي في حالة وجود تهديدات أمنية، لكن صحفيين أكدوا أنه بالفعل كان هناك مادة تسمح للأجهزة الأمنية بالرقابة على الصحف، لكنها ألغيت في تعديل على قانون الصحافة مؤخرًا، ما لا يبرر تزايد تدخل السلطات الأمنية في العمل الصحفي؛ بحجة حماية أمن البلاد، وعدم إثارة الفتنة والبلبلة وضرب النسيج الوطني. وتعتبر السودان من بين الأسوأ عربيا وعالميا في مجال الحريات الصحفية، وبحسب المؤشر الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» عن العام 2013، فإن السودان يحتل مرتبة متدنية جدا على مستوى العالم في الحريات الصحفية، حيث جاء ترتيبه 170 من أصل 177 دولة حول العالم، ما يعني أنه يوجد في العالم سبع دول فقط أسوأ حالاً من السودان، بينما يوجد 169 دولة أفضل في الحريات الصحافية وأوضاع الصحفيين من السودان، ولا تسمح السلطات السودانية بقيام نقابة للصحفيين، بعد أن حلت جميع النقابات منذ العام 1989م، واستعاضت عن ذلك بقانون الاتحادات المهنية وهو اتحاد عام مهني ليس له حق التفاوض باسم الصحفيين أو الدفاع عن حقوقهم أمام صاحب العمل.