لم يفاجأ كثيرون بتطبيع أنقرة علاقتها مع إسرائيل وروسيا مؤخرًا، بناءً على الرغبة التركية في إعادة خريطة المعادلة السياسية في المنطقة ومحاولة تنفيذ سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار، بعد وصول أغلبها إلى العداء الكامل مع نظام أرودغان. المفاجأة هنا عندما أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم أنه «واثق من أن تركيا ستعود إلى علاقاتها الطبيعية مع سوريا قريبًا». أنقرة التي استهانت منذ البداية بحجم الأزمة السورية، وانتهجت سياسة عدائية، تسببت في توتر علاقتها مع دول الإقليم؛ في محاوله للعب دور يفوق طاقتها، بحسب المراقبين، يبدو أنها تسعى إلى انقلاب ناعم على هذه السياسة، وبعد أن طوت ملف الخلاف مع الكيان الصهيوني، وبدأت عملية التطبيع مع روسيا، تركزت تصريحات الحكومة التركية على تحسين علاقاتها مع باقي الدول، لاسيما سوريا التي تشهد أزمة منذ أكثر من خمسة أعوام. لكن هذا التغير التركي بحسب المحللين ليس بسبب تصحيح في الأفكار أو الأيدلوجية التي نتج عنها كثير من تأزيم الوضع السوري في فترات عدة، بل كانت له أسبابه الكفيلة بأن تدفع أنقرة إلى تغيير سياستها وموقفها بناءً على مصالحها السياسية. ورغم تعدد هذه الأسباب، إلَّا أن لهذه الخطوة التصالحية والتلاطفية أيضًا مع سوريا تداعيات سلبية على تركيا، لكن ارتأت الأخيرة أن مكاسبها أكثر من خسائرها جراء هذه الخطوات. الملف الكردي يمثل هاجسًا للنظام التركي من الواضح من تصريحات رئيس الوزراء التركي الجديد، الذي عكفت الحكومة قبل أن يتولى رئاستها في الخمسة أعوام الماضية على إدانة النظام السوري والمطالبة برحيل بشار الأسد، من الواضح التنازل عن كل ذلك مقابل أن تمتد يد العون السوري إلى النظام التركي في كبح جماح الأكراد الذين تمددوا في الفترة الأخيرة في سائر المنطقة، وأصبح لديهم نفوذ، أدى إلى زيادة النزعة الانفصالية التي تهدد بشكل أساسي وحدة تركيا. فأنقرة المنزعجة بشكل واسع من استمرار الدعم الأمريكي والروسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب» الكردية، باتت كما يبدو ترى في الأسد ضمانًا لعدم تهديد الدولة التركية بقيام دولة كردية على حدودها مع سوريا تمتد إلى داخل تركيا، وتتمثل في منظمة حزب العمال الكردستاني، التي تسعى للانفصال بجنوب شرق تركيا، في إطار السعي لإقامة دولة كردستان الكبرى التي تشمل عدة دول في المنطقة. تمدد داعش بصورة تهدد استقرار انقرة فتحت أنقرة حدودها على مصراعيها أمام المسلحين الأجانب للدخول في سوريا؛ بحجة دعم المعارضة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد، الأمر الذي أدى لتوسيع قاعدة التطرف داخل الحدود السورية، وباتت داعش والجماعات المتطرفة المسيطر الأساسي على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، الأمر الذي أثر على تركيا، وانعكس بالسلب على الاستقرار الداخلي، فسرعان ما اكتوت أنقرة بنار الإرهاب الذي احترقت به سوريا. فبعد أن كان الداخل التركي مؤمنًا نسبيًّا، وتسمع فيه صوت الانفجارات على فترات متباعدة، باتت تركيا تشهد أسبوعيًّا بل يوميًّا عمليات إرهابية، والمسؤول عن أغلبها تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي دفع أنقرة إلى تغيير أولوياتها من الإطاحة بالأسد إلى ضرورة استئصال الإرهاب بسوريا أولًا، وهذا لايتحقق إلَّا بعودة الاستقرار للبلاد. تداعيات الانعطافة التركية نحو سوريا كما أن لتغيير الموقف التركي من الأزمة السورية أسبابًا، له تداعيات سلبية عدة، أبرزها فقدان ثقة ما تعرفهم أنقرة بالمعارضة المعتدلة في سوريا الذين ما إن توجهت أنقرة بتصريحات تعديل موقفها من سوريا إلَّا ونزلوا عليها بسيل من الاتهامات. ونقلت الجارديان عن مسؤول بالمعارضة السورية قوله إنهم فوجئوا بتحول الموقف التركي، ووجدوا فيه تخفيفًا في اللهجة التركية إزاء النظام السوري، ومقدمة لإعادة إصلاح العلاقة مع الأسد، قائلًا: «لم نكن نتوقع أن هذا سيحدث؛ لأنه ليس متناسقًا مع ما يقوله الأتراك في أحاديثهم الخاصة معنا». وأكد أوميت أوزداغ، نائب حزب الحركة القومية التركي المعارض، أن بوادر التطبيع بين الحكومة التركية والسورية التي ظهرت مؤخرًا قد تؤدي إلى شن جبهة النصرة هجمات إرهابية على تركيا خلال الأيام القبلة، بعد تخلي أنقرة عنهم من وجهة نظرهم، محذرًا: «وبذلك سيتم نقل الحرب الدائرة في سوريا إلى تركيا، وليس المسؤول عن ذلك إلَّا أخطاء الرئيس رجب طيب أردوغان في السياسة الخارجية حتى اليوم». وبعيدًا عن توتر العلاقات التركية مع قوى المعارضة المسلحة في سوريا، الذي قد يؤثر على نفوذ تركيا أيضًا في الملف السوري، الذي طالما رفضت أنقرة التنازل عنه في الخمس سنوات الماضية، سيكون لهذه الخطوة تأثير على العلاقات السعودية التركية، حيث ستقلل هذه الخطوة التواجد التركي السعودي بالصورة التي كانت في السابق على خلفية الدعم اللا محدود لقوى المعارضة المسلحة في مواجهة الجيش السوري، في المقابل ستوسع هذه الخطوة الدور الروسي الإيراني في الملف السوري، وقد تصل بأنقرة في النهاية إلى التعاون معهما لإيقاف التمدد الكردي.