انطلقت الثلاثاء الماضي أعمال مؤتمر "هرتسيليا للمناعة القومية" السادس عشر، المنعقد في تل أبيب، واللافت للنظر أن قائمة المشاركين في المؤتمر برزت فيها أسماء عربية بل وفلسطينية أيضًا، الأمر الذي شكل مفاجأة غير متوقعة للعديد من المدافعين عن القضية الفلسطينية، حيث شارك في المؤتمر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، وسفير مصر لدى إسرائيل، حازم خيرت، وسفير الأردن لدى الكيان الصهيوني، وليد عبيدات، وممثل الجيش الحر، عصام زيتون، إضافة إلى بعض الشخصيات العربية والفلسطينية الأخرى، أبرزهم عدد من رؤساء رؤساء بلديات الداخل المحتل. مشاركة فلسطينية في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة الصهيونية لأن تصبح أكثر تطرفًا وعنفًا وعنصرية، وتتمادي في ممارساتها الجائرة بحق الشعب الفلسطيني سواء من حصار غزة والتطهير العرقي الممنهج في القدس والنقب والأغوار والإعدامات الميدانية وحرق المنازل بمن فيها، لم يتردد عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، في المشاركة في المؤتمر الإسرائيلي للأمن. أكد عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، خلال كلمة له في المؤتمر على تمسك القيادة الفلسطينية بحل الدولتين، القائم على أساس مقررات المبادرة العربية القاضية بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967، وأن تكون القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وحل عادل لقضية اللاجئين، وشكك مجدلاني في نيات حكومة إسرائيل بشأن السلام. مشاركة المجدلاني في المؤتمر شكلت صدمة كبيرة في المجتمع الفلسطيني، وخاصة الفصائل المقاومة، حيث أدانت حركة الجهاد الإسلامي مشاركة بعض الشخصيات الفلسطينية والعربية بينهم "مجدلاني" في مؤتمر هرتسليا، واعتبرت أن هذه المشاركة يوظفها الاحتلال ضد حركة المقاطعة الدولية، وتعتبر تطبيعًا مباشرًا وطعنة للشعب الفلسطيني. من جانبها استنكرت اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة مشاركة متحدثين عرب وفلسطينيين في مؤتمر هرتسليا، معتبرة أن مشاركتهم تتجاوز التطبيع لتشكل تواطؤًا واعيًا مع مخططات الاحتلال، ودعت اللجنة إلى أكبر ضغط شعبي لمحاسبة عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، أحمد مجدلاني، وحلّ ما تسمى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي" التي وصفتها بالريادية في التطبيع، وحماية الأطر الجماهيرية في الأراضي المحتلة عام 48 من عمليات الأسرلة. كما أدانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مشاركة مجدلاني، ورأت في ذلك تحديًا سافرًا للمشاعر الوطنية الفلسطينية، ولدعوات مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، اقتصاديًّا وأمنيًّا وثقافيًّا، ووقف كل أوجه التعاون معه. ودعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى التوقف أمام مشاركة مجدلاني، والتدقيق بملابسات هذه الخطوة المسيئة لنضالات شعبنا وتضحياته وإتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع تكرار مثل هذه الممارسات التي لا تعود على القضية الوطنية إلا بالضرر. مشاركة مسلحي سوريا ضاقت الأرض بالمعارضة السورية حتى طرقت باب إسرائيل، فقد شارك ممثل الجيش الحر، عصام زيتون، في مؤتمر "هرتسليا" الأمني، مدعيًا تمثيله ل"الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش الحر، وظهر في المؤتمر تحت وصف "الناطق باسم مكتب العلاقات الخارجية للجبهة الجنوبية المنتسبة للجيش السوري الحر"، وقال "زيتون" في مقابلة مع قناة "i24" الإسرائيلية الناطقة بالعربية إن مشاركته في المؤتمر هي لإثبات أن الجيش الحر والمعارضة السورية ما زالا موجودين، زاعمًا أن المعارضة السورية يجب أن تكون ممثلة في كل المحافل الدولية، "وإلا فسنترك الكل يتقاسم مصالحه، ويعمل على تحقيق مصالحه في سوريا، ويبقى الشعب السوري مغيبًا عن مصالحه"، على حد قوله. في ذات الوقت حاولت الجبهة الجنوبية للجيش الحر تبرئة نفسها من أفعال "زيتون"، حيث نفى الناطق الرسمي باسم "الجبهة الجنوبية"، عصام الريس، أمس الخميس، وجود منصب علاقات خارجية في الجبهة، أو ارتباط عصام زيتون بها، وأوضح الريس أن "المدعو عصام زيتون لا يمثل إلا نفسه، ولم نسمع به في الجبهة الجنوبية، ولا يعرفه أحد من القادة، وهو يدعي تمثيله لمنصب غير موجود في الجبهة". اللافت أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، رتسى هليفى، لم يخجل من الحديث عن مستقبل سوريا في وجود أحد قياديي المعارضة، حيث قال خلال المؤتمر حول الحرب الدائرة في سوريا: إن سوريا لن تنعم بوحدة أراضيها تحت سلطة قائد واحد في السنوات القريبة، مُشددًا على أن أسوأ نهاية ممكنة للصراع في سوريا بالنسبة لإسرائيل هي اندحار تنظيم داعش وانحسار رقعة نفوذه وتأثيره وترك الدول العظمى للمنطقة وبقاء المحور الراديكالي المتمثل في إيران وحزب الله، حسب قوله. رغم أن مشاركة ممثل الجيش الحر، عصام زيتون، في مؤتمر هرتسليا، هي الأولى التي يشارك فيها شخصية سورية بارزة في الساحة السياسية خلال أحد المؤتمرات الصهيونية علانية بهذه الطريقة، إلا أن الأمر لم يشكل صدمة لدى العديد من المراقبين؛ للعلاقات بين المعارضة السورية والكيان الصهيوني، حيث سبق أن اجتمع قادة من المعارضة السورية مع مسئولين صهاينة؛ بهدف تنسيق الوضع الأمني في سوريا. مشاركة مصرية يبدو أن العلاقات المصرية الإسرائيلية التي اتجهت إلى الدفء، وفق توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدأ تفعيلها، بمشاركة السفير المصري لدى الكيان الصهيوني في مؤتمر للأمن الإسرائيلي، وهي المشاركة الأولى من نوعها، وتمثل خطوة جديدة على طريق التطبيع المصري الصهيوني. خلال المؤتمر، ألقي السفير المصري كلمة له، تمحورت حول الصراع العربي الإسرائيلي، والتسوية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وأكد خلالها على موقف الدولة المصرية من التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث قال خيرت إن القاهرة تؤمن أنه يمكن التوصل لاتفاق سلام يوفر الأمن للمنطقة، وأكد أنه لا يجوز أن نفقد الأمل بالسلام والاستقرار والرفاه لسكان المنطقة، وأن منطقة الشرق الأوسط تواجه تحديات وأزمات تهدد دول المنطقة، وأن العالم منشغل بهذا الوضع. وأضاف خيرت أن استمرار تجاهل الحقائق لا يغيرها، وإنما قد يفضي إلى انفجار الأوضاع، تمامًا كما نرى في جولة العنف الأخيرة توترًا في القدس، والوضع المتدهور في الضفة الغربية، بما في ذلك توسيع المستوطنات؛ مما يقضم من مساحة الدولة الفلسطينية، وهذا كله يهدد الأمل في الوقت الذي يتطلع فيه العرب والإسرائيليون من كافة الأديان إلى السلام والأمن. مشاركة أردنية بات معلنًا حدوث تقارب بين الأردن والكيان الصهيوني، وهو ما يظهر جليًّا في تبادل الزيارات والأحاديث والمشاورات بين المسؤولين الأردنيين والصهاينة، وتعد مشاركة السفير الأردني، وليد عبيدات، في مؤتمر السلام للأمن الأولى من نوعها، أو على الأقل الأولى المعلن عنها. خلال المؤتمر قال السفير الأردني، إن عملية السلام يجب ألا تغيب عن أنظارنا، وإننا نخدم جميعًا مصلحة مشتركة وهدفًا واحدًا وهو السلام، وأضاف أن الأردن يعتقد أن مبادرة السلام العربية هي المبادرة الأساسية لتحقيق سلام إقليمي، وسلام وأمن كاملين، فهي مدعومة ليس فقط من الدول العربية وإنما من 56 دولة أخرى. وتابع السفير: ما الذي يمكن أن تطلبه إسرائيل أكثر من ذلك؟ هذه ليست مهمة سهلة، هي مشكلة قائمة منذ زمن طويل، ولكن هل علينا أن نفقد الأمل كما في العام الماضي؟ هل يجب أن نرى حربًا إضافية؟ نحن في الأردن لا نريد حربًا، السلام هو ضروري، ولا يمكن تحقيقه فقط عبر المفاوضات المباشرة، لذلك فإننا نؤيد المبادرة الفرنسية. وعندما نقول إننا نؤيد الفلسطينيين والإسرائيليين، فنحن نؤمن بذلك ونعمل من أجله، وما زلنا نحاول جمع الطرفين معًا وجسر الفجوات والمضي باتجاه حل الدولتين. ما هو مؤتمر هرتسليا؟ مؤتمر هرتسليا هو مؤتمر يُعقد بشكل دوري منذ عام 2000 في مدينة هرتسليا الواقعة شمال تل أبيب، تأسس بمبادرة من عوزي آراد، ضابط سابق في الموساد، شغل منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويجتمع في هذا المؤتمر النخب الإسرائيلية في الحكومة والجيش والمخابرات والجامعات ورجال الأعمال وضيوف من المختصين الأجانب من أمريكا وأوروبا ودول عربية، حيث يتم فيه مناقشة مستقبل كيان إسرائيل ووضعها اقتصاديًّا وعسكريًّا واجتماعيًّا ورصد الأخطار المحيطة بها من الداخل والخارج في دول الجوار وفي الإقليم وفي العالم، تحت هدف استراتيجي، هو الأمن القومي لإسرائيل.