لا يبدو الطابع الأوروبي هو القاسم المشترك الوحيد بين بلجيكاوفرنسا، فبلجيكا التي تشترك في حدودها مع فرنسا، أصبحت تقاسمهاالإضرابات العارمة، التي أخذت تهدد سير الحياة الاقتصادية والخدمية وحتى السياسية فيها. إضرابات بلجيكا بدأ موظفو القطاع العام في بلجيكا اليوم الثلاثاء إضرابًا عن العمل؛ مما تسبب في تعطيل خدمات القطارات والحافلات والمدارس والسجون والبريد. الإضرابات جاءت امتدادًا لاحتجاجات سابقة، حيث تشهد بلجيكا منذ عدة أشهر تحركات واعتصامات تنظمها بعض القطاعات بشكل محدود؛ احتجاجًا على ضعف الإمكانيات وفرض أشكال جديدة من الضرائب والقيود على قطاعات محددة، مثل النقل البري. وفي 25 مايو الماضي خرجت مظاهرة في العاصمة البلجيكية بروكسيل، شارك فيها أكثر من 60 ألف شخص، قالوا إنهم يحتجون على مشاريع الإصلاحات الاجتماعية التقشفية، من بينها تحديد ساعات العمل الأسبوعية ب 45 ساعة. كانت حكومة يمين الوسط البلجيكية، بزعامة رئيس الوزراء شارل ميشيل، قد فرضت تدابير تقشف وتعديلات في قانون العمل، وواجهت عددًا من المظاهرات والإضرابات منذ وصوله إلى السلطة عام 2014، حيث تعترض النقابات العمالية على التدابير العمالية والاجتماعية، مثل إصلاح رفع سن التقاعد والحد من زيادات الأجور؛ لتعويض التضخم. وكما هو الحال في فرنسا، ترأست النقابات العمالية البلجيكية هذه الاحتجاجات، حيث نظمت أمس الثلاثاء مظاهرة في بروكسل تحت عنوان "طفح الكيل"، وتعترض النقابات على مشروع الحكومة لتعديل قانون العمل فيما يتعلق بشطب الحدود القانونية لساعات العمل، وإلغاء الامتيازات الممنوحة لمن يعملون ساعات إضافية، إضافة إلى الاقتطاعات التي تجريها الحكومة البلجيكية في موازنات الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وتخفيض عدد العاملين فيها. وتتركز الإضرابات في العاصمة بروكسل والجزء الجنوبي من البلاد الناطق بالفرنسية الأكثر تأثرًا بموجة الاحتجاجات هذه، حيث بدأ عمال سكك الحديد قبل خمسة أيام في العاصمة وجنوببلجيكا في شل حركة السير، وقبلها شهد قطاع السجون إضرابات مماثلة منذ خمسة أسابيع؛ احتجاجًا على كثرة النزلاء وقلة عدد المشرفين عليهم، ورفض المضربون الوعود التي تلقوها من الحكومة بزيادة عدد العاملين، معتبرين أنها غير كافية. وهدد القضاة في بلجيكا باللجوء إلى اعتصامات وحركات احتجاجية يومي الثاني والسابع من شهر يونيو القادم. ومن المتوقع أن يشهد قطاعا النقل والصحة، بالإضافة للمطارات، عرقلة كبيرة، بعد أن دعت نقابة الخدمات العامة إلى الانضمام لهذا التحرك. ويبدو أن للحكومة البلجيكية وجهة نظر أخرى حول هذه الاحتجاجات، ليست بعيدة عن نظرية المؤامرة، حيث رأت أحزاب الائتلاف الحاكم (تحالف أحزاب اليمين)، أن توالي الإضرابات ما هو إلا "مؤامرة سياسية من المعارضة"، ووجهت أحزاب الائتلاف أصابع الاتهام، بشكل خاص، إلى الحزب الاشتراكي الفرانكوفوني (جنوب البلاد)، وهو الأمر الذي رفضه رئيس الحزب، إيليو دي ريبو، جملة وتفصيلاً، قائلًا "لا أملك أي تأثير على النقابة الاشتراكية". يذكر أن سمعة بلجيكا تضررت بشكل كبير؛ بسبب الهجمات الإرهابية في بروكسل وبعض الإخفاقات الأمنية والإدارية، الأمر الذي دفع الحكومة البلجيكية لإطلاق حملة دعائية لاستعادة الثقة بعاصمة الاتحاد الأوروبي لدى السياح والمستثمرين، وتبلغ كلفة الحملة التي عرفت باسم "بلجيكا الإيجابية" 4 ملايين يورو، وتستمر لعامين. ومن المقرر أن تبدأً في أكتوبر من هذا العام. الحملة الحكومية قلل من شأنها مراقبون؛ بسبب ما تشهده البلاد من احتجاجات. إضرابات فرنسا على الجانب الآخر لا يبدو الوضع في العاصمة الفرنسية باريس أقل هدوءًا منه في بروكسل، ويبدو أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في موقف لا يحسد عليه، فبيده أغلق جميع الأبواب الممكنة للتفاوض حول قانون العمل الجديد الذي أقرته حكومته بعيدًا عن البرلمان، فمن جهة ترفض الحكومة سحب قانون العمل الجديد أو تعديله جذريًّا، ومن جهة أخرى النقابات مصممة على رفض القانون، وتهدد بشل البلاد؛ مما أدى بالفعل لاستعار المظاهرات والاحتجاجات في فرنسا، الأمر الذي من شأنه أن يوقع الحكومة الفرنسية في حرج كبير على المستوى الأوروبي، خاصة أن المظاهرات المستمرة تأتي قبل 12 يومًا من انطلاق بطولة أوروبا 2016 لكرة القدم، والتي تستضيفها فرنسا، وتستمر حتى 10 يوليو. وتأتي هذه البطولة كمحاولة لإنقاذ الموسم السياحي الفرنسي بعد الهجمات الإرهابية التي طالت باريس العام الماضي. وتشير الوقائع إلى أن الوضع لا يسير في هذا الطريق، حيث نظم اتحاد العمال الفرنسي المتشدد احتجاجات في الشوارع وإضرابات في القطارات وتعطيلًا للمصافي؛ للضغط على الحكومة؛ لإلغاء خطط الإصلاح، ولكن اتحاد العمال الديمقراطي الفرنسي المعتدل، وهو اتحاد العمال الرئيسي الآخر في فرنسا، يؤيد إصلاحًا يسمح للشركات بتسريح الموظفين بشكل أكثر سهولة في الأوقات الصعبة، ولكنه يعطي أيضًا النقابات قوة أكبر في التفاوض على اتفاقيات في كل شركة بدلًا من المستوى العام. كما شهدت فرنسا في الآونة الأخيرة مشكلة تتعلق بالطاقة، تسبب فيها المحتجون عبر قطع الطرق إلى المستودعات والمصافي، الأمر الذي أدى إلى مشكلات في إمداد محطات الوقود في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، ويوم الجمعة الماضي كانت هناك 6 مصافٍمن أصل 8 لا تزال متوقفة، أو تعمل ببطء، إلا أن مصدرًا حكوميًّا فرنسيًّا أفاد بأن جميع الطرق المؤدية إلى مستودعات النفط التي قطعها المتظاهرون فُتحت باستثناء مجمع "غارجانفيل"، الذي ما زال مضربًا. وعلى الرغم من الانفراجة التي شهدها قطاع الوقود، إلا أن فرنسا تشهد أسبوعًا جديدًا في حركة الاحتجاجات، حيث تشمل الإضرابات قطارات السكك الحديدية، وخطوط المترو الباريسي، وقطاع الطيران المدني. الحكومة الفرنسية في طريقها لتقديم تنازلات بشأن قانون العمل، حيث تتجه فرنسا لتعديل خطة لإصلاح قوانين العمل، بعد الضغوط التي تواجهها الحكومة جراء الاحتجاجات، وفقًا لتصريحات وزير المالية الفرنسي "ميشيل سابان"، في مقابلة له مع "رويترز".