عاد مشروع تهميش النواب الأكراد في البرلمان التركي إلى الواجهه من جديد، فبعد أن كانت الأمور قد هدأت قليلًا بشأن العمليات التصعيدية من جانب الحكومة التركية في مواجهة حزب العمال الكردستاني بشكل خاص والأكراد بشكل عام، عادت الأجواء لتشتعل من جديد بين الطرفين، خاصة بعد حادث إسقاط حزب العمال للمروحية العسكرية التابعة للجيش التركي في 13 مايو الجاري. الثلاثاء الماضي صوَّت البرلمان التركي بالإيجاب على مقترح رفع الحصانة البرلمانية عن النواب الذين تستهدفهم إجراءات قضائية، وهو المقترح الذي كان قد تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث بدأت مناقشة المشروع بعملية تصويت أولى بالاقتراع السري، شارك فيها 536 نائبًا برلمانيًّا، وأسفر عن قبول 348 نائبًا للمقترح ورفض 155 نائبًا، بينما امتنع 8 نواب عن التصويت، وأدلى 25 آخرون ببطاقات فارغة لصناديق التصويت، الأمر الذي مهد لجولة مناقشات ثانية وتصويت نهائي اليوم الجمعة. وعلى الرغم من التصديق الأول على المشروع، إلا أن بعض الخبراء يتوقعون ألا يتمكن الحزب الحاكم في تركيا من تمرير هذا المشروع وفق ما يحلم به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث يتوجب أن يحصل المشروع على أكثر من الثلثين، أي 367 صوتًا من مجموع 550. أما إذا حصد ما بين 330 و366 صوتًا فقط، فسيتم إحالة الملف إلى رئيس الجمهورية؛ من أجل إما إعادته إلى البرلمان، أو طرحه للاستفتاء الشعبي العام. مناقشة هذا المشروع ليست جديدة؛ فقد سبق أن ناقشه أعضاء البرلمان، لكن الجلسة تحولت من مناقشة النص في اللجنة النيابية إلى قيام بعض النواب الغاضبين بتبادل اللكمات والركلات، حيث نشبت حينها مشاجرات حادة بين نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي خلال مناقشة مشروع القانون في اللجنة النيابية، في مشهد غير مسبوق في البرلمان التركي، دفع نواب حزب الشعوب إلى الانسحاب من الجلسة، وهو ما مكن لجنة الدستور في البرلمان من الموافقة على الاقتراح بالإجماع. مشروع القانون الذي ينوي البرلمان التصديق عليه يُعد التهديد الأخطر الموجه إلى نواب الحزب المؤيد للأكراد، حيث يعتبره الحزب الرئيسي المؤيد للأكراد، حزب الشعوب الديمقراطي، مناورة حكومية لإقصاء نوابه؛ على اعتبار أنه إذا تم إقراره، فسيؤدي إلى تعليق المادة 83 من الدستور، التي تنص على "منع استجواب واعتقال ومحاكمة نواب البرلمان بدعوى الاشتباه بارتكاب جناية أو جنحة دون تصويت البرلمان"، وقد يطال هذا التعديل حوالى 130 من 550 نائبًا ينتمون إلى جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومنهم حوالى 50 نائبًا عن حزب الشعوب الديمقراطي، وأبرزهم زعيم الحزب، صلاح الدين دميرتاش، الذي يعد من ألد خصوم أردوغان، وسيكون مُعرضًا لملاحقات قضائية في حال إقرار القانون، وهو ما دفعه إلى القول بأن "رفع الحصانة عن النواب داخل البرلمان سيدفع إلى انقلاب ونظام ديكتاتوري، لقد كان لدينا عرض أساسي حول الحصانة، ولا يمكننا قبول هذا". وتعتبر مناقشة المشروع التركي حلقة جديدة في سلسلة مطاردة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لحزب العمال الكردستاني والأكراد والأحزاب المؤيدة لهم، حيث يعتبر الرئيس التركي الأكراد خطرًا حقيقيًّا على مستقبله السياسي، خاصة بعد الانتخابات البرلمانية قبل الأخيرة التي أجريت في 7 يونيو الماضي، وأفقدت حزب العدالة والتنمية الحاكم صفة الأغلبية، الأمر الذي أطاح بحلم أردوغان في تعديل الدستور لصالح تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وهو ما دفعه إلى محاولة الالتفاف على هذه الهزيمة من خلال إسكات الصوت الكردي ونعته بالإرهابي، أو على الأقل وصمه بأنه داعم للإرهاب. انطلقت التصريحات العدائية التي وجهها الرئيس التركي للأكراد والأحزاب المؤيدة لهم، حيث سبق أن هدد أردوغان بإبادة المسلحين الأكراد خلال الحملة التي يشنها الجيش التركي على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، والتي بدأت منذ سقوط اتفاق وقف إطلاق النار في يوليو الماضي، وأضاف في حديث له "ستبادون في تلك المنازل وفي تلك المباني وفي تلك الخنادق التي حفرتموها". ومن بين هذه التصريحات "إن مواصلة عملية السلام مع الأكراد مستحيلة"، وأكد حينها أن من يستغلون تسامح الدولة والشعب سيتلقون الرد الذي يستحقونه في أسرع وقت ممكن. بعيدًا عن التصريحات والتهديدات وحملات الاعتقال التي شنتها قوات الأمن التركية في مواجهة آلاف الأكراد، بدأ أردوغان التسويق بجدية لفكرة رفع الحصانة عن سياسيين تربطهم صلات بالمتمردين الأكراد؛ حتى تتسنى محاكمتهم، في خطوة من شأنها التمهيد لحل حزب الشعوب الديمقراطي، أو في أحسن الأحوال تقويض عمله السياسي والحد من تمدد شعبيته وإضعافه، وهو القانون الذي لا يزال قيد المناقشة والشد والجذب. وصل التصعيد الأردوغاني في مواجهة الأكراد إلى توجيه الرئيس التركى اتهامات لبعض الدول والمنظمات بدعم الأكراد، حيث اتهم أردوغان في تصريحات سابقة الاتحاد الأوروبى بدعم حزب العمال الكردستانى، قائلًا إن الذين يقولون لنا غيِّروا قوانين مكافحة الإرهاب الخاصة بكم، يتعين عليهم أولًا أن يزيلوا الخيام المنصوبة عند مدخل وعلى جانب مقر البرلمان الأوروبى، فى إشارة إلى رموز حزب العمال الكردستاني التى يقول مسؤولون أتراك إنها شوهدت خلال تظاهرات، كما سبق أن اتهمت تركياواشنطن بتسليح قوات سوريا الديمقراطية الكردية. ويتوقع الخبراء أن تتصاعد المواجهات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني في الأيام المقبلة، خاصة بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني عن مسؤوليته في إسقاط مروحية تركية قرب الحدود العراقية، أدت إلى مقتل جنديين، حيث قال المتحدث باسم الحزب، بختيار دوغان، إن قوات الدفاع الشعبي، الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني، أسقطت مروحية عسكرية تركية في منطقة جلي قرب الحدود العراقية التركية، موضحًا أن المروحية أسقطت أثناء مهاجمتها مواقع العمال الكردستاني في المنطقة ذاتها، وهو ما لحقه انتشار مقطع فيديو على مواقع إلكترونية السبت الماضي، يقول ناشروه إنه للحظة إسقاط حزب العمال الكردستاني التركي للمروحية العسكرية، حيث يظهر في التسجيل مقاتل كردي يطلق صاروخ "أرض – جو"؛ ليصيب بعد لحظات مروحية. وصول صواريخ حديثة إلى أيدي الأكراد أثار حالة من القلق والريبة لدى الأوساط السياسية والعسكرية في البلاد، من إمكانية امتلاكهم كميات أكبر من هذه الصواريخ، التي تعوق عمل الطائرات في مناطق الاشتباكات بشكل كبير، كما أثارت الشكوك بشأن دعم سوريا وروسيا للأكراد في تركيا؛ لاستخدامهم كورقة ضغط في الخلافات المتصاعدة بينهما، الأمر الذي ينذر بتصاعد حدة الاشتباكات بين الطرفين خلال الأيام المقبلة، خاصة إذا تم تعديل قانون الحصانة، أو تعرضت إحدى القيادات الكردية البارزة إلى الاعتقال.