فاز صادق خان الباكستاني الأصل، الذي كرس كل أوقاته مدافعًا عن حقوق الإنسان، ابن العائلة البسيطة الذي يعولها والد يعمل سائقًا للحافلات، في انتخابات عمدة لندن ليكون بذلك أول مسلم في القارة الأوروبية يتبوأ هذا المنصب، في الانتخابات المحلية التي شهدتها بريطانيا الخميس الماضي. وحقق خان المركز الأول بعد حصوله على 56.8% من الأصوات، «مليون و310 آلاف و143 صوتًا) ليفوز على منافسه المحافظ المليونير زاك غولدسميث، «994 ألف و614 صوتًا) وليكون أول مسلم يتقلد منصب عمدة لندن بدلًا من بوريس جونسون، ذي الأصول التركية. ولد خان عام 1970 في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية لندن، تخرج من جامعة شمال لندن، تزوج عام 1994 من الباكستانية الأصل سعدية أحمد، فتحت أمامه المحاماة مجالًا واسعًا للدخول إلى عالم السياسة، حيث أسس شركة محاماة صغيرة يعمل بها 50 موظفًا، وفي عام 2005 انتخب نائبًا في مجلس العموم البريطاني، وبعد ثلاث سنوات أصبح خان المسلم الثاني فقط الذي يدخل تشكيلة الحكومة البريطانية كوزير للنقل. ويعتبر خان الابن الخامس لثمانية أبناء للعائلة، عملت والدته «سهرون» بالخياطة بالقطعة، وعاشوا على نفقة هيئة الرعاية الاجتماعية في منزل يتكون من 3 غرف بحي «توتنج» الشعبي جنوبلندن. وأنجب من زوجته ابنتين هن أنيسة وعمّارة، البالغتين 17 و15 سنة، هو ملتزم دينيًّا، وأصبح في 2009 أول وزير غربي يؤدي مناسك الحج بالمملكة العربية السعودية وهو بمنصبه. وفي أوج المعركة الانتخابية التي خاضها، حاول خان التعريف بنفسه بطريقة مبسطة، عبر موقعه الخاص بانتخابات مجلس المدينة، مشيرًا إلى أنه «رجل عادي، من أسرة بسيطة، لا يقضي وقته كله في العمل السياسي، وإنما يحب الرياضة وتقضية الوقت مع العائلة»، متطرقًا للتعريف إلى لندن على أنها «توفر فرصًا متكافئة لجميع الموهوبين، والعاملين بجدية»، مشيرًا إلى أن «العظيم في هذه المدينة أنك تستطيع أن تكون لندنيًّا، بأي معتقد أو لا معتقد، نحن لا نتقبل بعضنا بعضًا فقط، بل يحترم بعضنا بعضًا ويحتضن بعضنا بعضًا ويحتفي بعضنا ببعض. هذه إحدى المزايا العظيمة للندن»، قال ذلك عقب تعريفه نفسه بأنه «مُسلم لندني بريطاني. أب وزوج، ومشجع قديم لنادي ليفربول»، ويمثل موقع عمدة لندن منصة مؤثرة؛ للضغط على الحكومة فيما يتعلق بمصالح سكان لندن، البالغ عددهم 6.8 ملايين نسمة. تطلعات خان خان شرح في أغلب خطاباته أنه يتطلع إلى الضخ الحكومي المالي للمدارس والكليات التي تعلم الإنجليزية، بعدما قلصت الحكومة الأموال المنفقة على ذلك الأمر، هذا إلى جانب المساهمة أكثر في انخراط المسلمين البريطانيين في المجتمع، ومساعدة الشرقيين والعرب عمومًا على ذلك، كما يسعى خان إلى إبقاء بريطانيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لئلا تخسر مشروعاتها الكبيرة المدعومة من أوروبا، وأن تظل لندن مدينة استثمارية ضخمة، وأن تبني الحكومة البريطانية منازل لثلاثة آلاف لاجئ سوري من الأطفال غير المصحوبين بذويهم في أوروبا. كما وعد خان بتخفيض أسعار الإسكان في لندن، وهي أزمة تعاني منها المدينة وسكانها بشدة في الأعوام الماضية، بالإضافة إلى العمل على تطوير وسائل النقل التجاري؛ ولأن الرجل من الفرص التعليمية والعملية في لندن، فإنه سيسعى حال فوزه إلى أن تُوفر لندن الفرص ذاتها لأغلب ساكنيها. وقال: إن أولويته الرئيسة لو انتخب ستكون معالجة «أزمة السكن» في لندن حتى يضمن «حصول الناس على مساكن في المتناول سواء للإيجار أو البيع»، وأضاف خان أنه سيركز أيضًا على أن يكون النقل العام في متناول أفراد الجمهور. وقال خان: «هذه الانتخابات لم تجر بدون سجال، وأنا فخور بأن أرى أن لندن اختارت اليوم الأمل بدلًا من الخوف والوحدة بدلًا من الانقسام»، على خلفية التخوفات المنتشرة، التي روجها منافسه قبل انتخابه بأنه يدعم التطرف، وأضاف «آمل أن لا نوضع مجددًا أمام خيار صعب إلى هذه الدرجة، الخوف لا يجلب لنا أمنًا أكثر، إنه يجعلنا أضعف، وسياسة الخوف ليست موضع ترحيب في مدينتنا». المنافسة في الحملة الانتخابية اشتدت المنافسة بين صادق خان، الذي يعد ممثلًا عن حزب العمال، وجولد سميث من حزب المحافظين، حيث تصاعدت بعد بزوغ نجم خان، الأمر الذي استدعى شن الأخير حملة تشوية شعواء ضده، حيث أكد سميث أن فوز منافسه خان سيؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي في لندن، واتهمه بالدفاع عمن أسماهم «الإرهابيين»، وبخاصة «شاكر أمير»، المواطن البريطاني الذي كان مُعتقلًا في جوانتانامو. ولم توجه هذه الحملة إزاء خان فقط، ففي خضم الحملة الدعائية لانتخاب عمدة جديد للندن، فوجئ مسلمو بريطانيا باستهدافهم ووصفهم بالمتطرفين، كما تدخل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على الخط، واتهم خان بشكل غير مباشر ب«التطرف»، الأمر الذي أزعج الجالية المسلمة هناك، من جهته رد خان على هذه الاتهامات بأنه «حارب التطرف طيلة حياته، وأنه سيكمل في تلك المسيرة إذا ما صار عمدة لندن الجديد».