يعاني فلاحو الدقهلية من قلة مياه الري وانخفاض منسوبها فى الترع الرئيسية؛ ما يجعلهم يروون الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي؛ وذلك خوفًا من تصحر الأراضي وفقدان المحصول، بعدما لجؤوا إلى المسؤولين بوزارتي الزراعة والري كثيرًا، ولا مجيب. "البديل" قامت بجولة في قرى الدقهلية؛ لسماع شكاوى الفلاحين هناك. بداية يقول الحاج سعد المغير، من قرية نوسا الغيط التابعة لمركز أجا، إنه منذ أربع سنوات يزرع بمياه الصرف الصحي بمصرف سالم، الذي يمر بالعديد من القرى حتى يصب في بحيرة المنزلة؛ لانعدام مياه الري، مؤكدًا أنه قدم العديد من الشكاوى للوحدة المحلية والجمعية الزراعية ووكيل وزارة الري بالدقهلية، ولا مجيب. لافتًا إلى أنه وأولاده لا يأكلون من محصول تلك الأرض، وأنه يخصص نصف فدان لأسرته في مكان آخر يزرع به الخضراوات والأرز؛ حتى لا يأكلوا من الزرع الملوث. وقال أحمد الشربيني، أحد أهالي القرية، إنه ليس لديه أرض زراعية، لكنه يرى يوميًّا الفلاحين يروون الأرض من المصرف، "وأنا وأطفالي وكل أهالي القرية نأكل منها، و90 %من الأهالي مصابون بالفشل الكلوي والسرطانات والفيروسات المختلفة. كما أن مساحات شاسعة من الأراضي يتم تجريفها وتبويرها عن عمد للبناء عليها، ويتم إدخال المرافق لها من مياه وكهرباء بالمخالفة للقانون وتحت مسمع ومرأى القائمين على الوحدة المحلية". وفي قرية القطنة، التابعة لمركز شربين، قال محمود عجيزة إن أراضي القرية تصحرت، ولا يستطيعون الزراعة إلا بمياه الصرف الصحي، "وطبعًا المحصول يتقلص، ونخسر ماديًّا وصحيًّا، والمحصول يباع في كل محافظات الجمهورية، وينقل الأمراض لكل من يأكل منه". وأكد فوزى الشرباصي، عضو البرلمان عن دائرة شربين، أن شكوى كل القرى التابعة لمركز شربين هي قلة مياه الري، وأن الكثير من الأراضي تصحرت من العطش، وأنه تقدم بطلب إحاطة بالبرلمان؛ لمناقشة تلك المشكلة التي تؤرق كل فلاحي الدقهلية، بل والجمهورية ككل. وبالنسبة للبناء على الأراضي الزراعية قال الشرباصي "إن الفلاح مظلوم، يكون له أكثر من ولد، ويريد لهم مسكنًا، وللأسف محافظة الدقهلية لم تطرح إسكانًا اجتماعيًّا أو لمحدودي الدخل إلا قريبًا في المنصورة الجديدة، وأسعارها مرتفعة جدًّا، وفي انتظار تخطيطها وبنائها. والحل في تمليك الشباب قطع أراضي زراعية وتوفير منزل لهم في تلك الأراضي، وإدخال المرافق، وبهذا نحد من تكدس المدن، ويتم زراعة أراضي جديدة". وفى تصريح خاص ل "البديل" قال الدكتور مجدي أبو ريان، الخبير المائي ورئيس جامعة المنصورة الأسبق ورئيس جمعية تكنولوجيا المياه ورئيس مركز أبحاث ومشروعات المياه، إن الخطر الحقيقي ليس سد النهضة، فمصر دخلت مرحلة الفقر المائي بالفعل؛ لأن حصة مصر من مياه النيل هى 55.5 مليار متر مكعب، والاستهلاك الفعلي هو 71 مليار متر مكعب. ويتم جلب الفرق بين حصة مصر الأساسية والاستهلاك الفعلي من تدوير الصرف الصحي بواقع 2.6 مليار متر مكعب، و4 مليارات متر مكعب من المياه الجوفيه والخرانات السطحية، و2 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العميقة". منوهًا بأن "الغريب أنه مع مرحلة الفقر المائي الذي تعيشه الدولة، تعلن عن خطتها في استثمار 4 ملايين فدان. والموضوع الأهم هو استراتيجية عام 2040 التي أعدها مجموعة من الزملاء المتخصصين بمركز بحوث المياه بالمنصورة، وهي حينما يزيد عدد السكان 20% عام 2040، ستصل لحتياجتنا المائية من 110 إلى 120 مليار متر مكعب من المياه. فماذا نفعل ومصر لا يكفيها الآن ال 55.5 مليار متر مكعب، لدرجة أن أطراف محافظتي الدقهلية والشرقية تزرع الأرز والفاكهة بمياه الصرف الصحي؟". وتابع أبو ريان "نحن نريد زيادة 40 مليار متر مكعب من الماء بحلول عام 2040؛ حتى نهرب من الفقر والجوع المائي؛ ولهذا يجب توصيل كافة المعلومات والحقائق الخاصة بالملف المائي بشفافية وصدق إلى الرئيس؛ حتى يتم إصدار القرار السليم المبني على حقائق ووقائع مدروسة". وعن الحلول المقترحة قال أبو ريان إن أهم الحلول البعد عن استخدام الري بالغمر، وتحويله لنظام الري بالرش؛ لأننا نستهلك 42 مليار متر مكعب من الماء في الري بالغمر، ومن الممكن أن نستهلك 20 مليار متر مكعب فقط في الزراعة بنظام الري بالرش. وشدد على أن سد النهضة جزء أساسي في الأزمة، ولا بد من حل مشكلة المياه بشكل متكامل، خاصة أن التقديرات المبدئية تقول إن نصيب مصر سيقل 10 مليارات متر مكعب من المياه عند الانتهاء من بنائه بشكله الذي يريده الإثيوبيون.