تجددت الاشتباكات بين الأمن التونسي ومسلحين يشتبه في انتمائهم إلى داعش على أطراف مدينة بنقردان، بالتزامن مع دخول حظر التجول الليلي الذي فرضته السلطات التونسية حيز التنفيذ، مما يعني أن العمليات الأمنية لا تزال مستمرة في بنقران المتاخمة للحدود الليبية. وأعلنت وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الدفاع التونسية في بيان مشترك، أن العملية المسلحة في بنقردان أسفرت حتى الآن عن 36 قتيلًا من الإرهابيين، والقبض على 7 آخرين، في حين قتل عشرة من أفراد الجيش والشرطة وسبعة مدنيين. وكانت وسائل إعلام تونسية أفادت قبيل بدء حظر التجول بتجدد المواجهات، وقالت: إن مواجهات أمس قرب مقر أمني انتهت بمقتل مسلحين اثنين واستسلام آخرين، حيث بدأ المسلحون هجومهم فجرًا مستهدفين مقرين للحرس الوطني والأمن داخل المدينة وثكنة للجيش على أطرافها، ولم تحدد وسائل الإعلام ما إذا كان المسلحون عبارة عن خلايا نائمة أم تسللوا من ليبيا المجاورة، إلَّا أن شهود عيان قالوا إن مسلحين أوقفوهم مع بدء الهجوم، وأبلغوهم أنهم من تنظيم داعش، وأنهم قَدِموا للانتقام من الأمنيين والعسكريين. ووفقًا للصحف التونسية، فقد قتل العديد من المهاجمين، على إثر تحصنهم داخل منازل، وعثرت قوات الأمن خلال المواجهات على مخزن يضم أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية. تراشقات تونس وليبيا وجَّه الرئيس التونسي باجي السبسي أصابع الاتهام إلى ليبيا بضلوعها في تصدير الإرهاب إلى بلاده، وأشار إلى أن المهاجمين كانوا يسعون للسيطرة على المنطقة وإعلانها ولاية جديدة تابعة لهم. ورغم نفي المتحدث باسم الحكومة الليبية، محمد العريبي، هذه الاتهامات، إلَّا أن حكومة طرابلس الليبية غير المعترف بها دوليًّا كان لها رأيًّا آخر، حيث اتهمت في 9 فبراير الماضي تونس بالتساهل مع مرور الإرهابيين، وهدّدت بإغلاق حدود بلادها مع تونس، وبعد انتهاء تونس من إنشاء جدار ترابي وتعزيز وجودها الأمني والعسكري على طول حدودها مع ليبيا، خرج علي أبو زعكوك، وزير الخارجية والتعاون الدولي بحكومة طرابلس، بتصريحات هاجم فيها تونس وحمّلها مسؤولية انتشار الهجمات الإرهابية في ليبيا، واتهم أبو زعكوك مواطنين تونسيين بارتكاب أعمال إرهابية في بلاده. غضب أبو زعكوك من تونس كان لسببين، الأول هو إغلاق الأخيرة مطارها الرئيسي أمام شركات الطيران الليبي منذ ديسمبر الماضي؛ بسبب ما اعتبرته تونس أسبابًا أمنية، وقتها اعتبر أبو زعكوك أن ليبيا قادرة على المعاملة بالمثل، والثاني تضرّر ليبيا من دخول المقاتلين التونسيين إلى أراضيها للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، فالمقاتلون التونسيون في ليبيا من أكثر الجنسيات حضورًا، كما أن الخلاف الليبي التونسي حول ضبط الحدود أخذ موجة متزايدة، خاصة بعد اعتراف تونسي بأنه وراء مقتل أكثر من 70 شخصًا، وإصابة نحو 100 جراء تفجير سيارة مفخخة في ليبيا. وعلى ضوء هذا الاعتراف، تعالت الأصوات التي تنادي بطرد التونسيين وترحيلهم من ليبيا باتجاه بلدهم، وهو ما قد يفسر إلى حد كبير تصاعد المشكلات الحدودية في تونس خلال الأيام القليلة المقبلة. تونس والإرهاب في سوريا تصدرت تونس قائمة الدولة العالمية التي ترسل المقاتلين إلى سوريا ب6 آلاف مقاتل، مما يعني أن أي إنجاز عسكري للجيش السوري المدعوم روسيًّا في الميدان السوري، ستترتب عليه آثار سلبية على تونس، فالضغط الذي يمارسه الجيش السوري سيجبر المسلحين على الانسحاب وترك مواقعهم، وبالتالي عودتهم إلى البلدان التي قَدِموا منها، مما سيجعل من تونس أكبر بوتقة يتجمع فيها الإرهابيون. تونس والتراجع الإيطالي نفى رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي 6 مارس، ما صرح به السفير الأمريكي لدى روما بشأن اعتزام إيطاليا إرسال 5 آلاف جندي إلى ليبيا، قائلًا: إن الظروف غير مواتية لتدخل عسكري، وأضاف في مقابلة تلفزيونية أنه ما دمت رئيسًا للوزراء لن تذهب إيطاليا إلى ليبيا لغزوها بخمسة آلاف رجل. ورفضت تونس في 26 فبراير الماضي أيضًا أي تدخل عسكري بليبيا، حيث أكد وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني، موقف بلاده الرافض لأي تدخل عسكري مباشر في ليبيا، قائلًا: تونس مع حل سياسي في ليبيا يقوم على إرساء حكومة وحدة وطنية ذات سيادة مقرها طرابلس، وقادرة على قيادة البلاد وتأمين حدودها والسيطرة على الوضع. ويربط مراقبون بين القرار الإيطالي القطعي بعدم التدخل العسكري في ليبيا الذي اتخذ في 6 مارس الجاري، والهجمات الإرهابية التي حدثت في تونس 7 مارس، خاصةً أن أنباء أمنية تحدثت عن أن تونس كانت قد رفضت طلبًا من فرنسا وأمريكا بالمشاركة في تدخل عسكري بليبيا خلال عام 2014، يتمثل في توجيه ضربات عسكرية جوية متعددة إلى معاقل الإرهابيين، انطلاقًا من قواعد عسكرية في جنوبتونس، على أن يتبعها هجوم بري يشارك فيه الجيش التونسي بمساعدة قوات فرنسية وأمريكية، وأن عددًا من دول الخليج إلى جانب الجزائر، ستتكفل بتكاليف هذا التدخل العسكري. في مقابل هذا التدخل العسكري، كانت ستحصل تونس على أجهزة عسكرية متطورة، ومساهمة في تطوير قواتها العسكرية بأحدث الأسلحة ذات التكنولوجيا العالية. كما لم يُخفي قائد القوات الأمريكية في إفريقيا، الجنرال دافيد رودريغيز خلال زيارته لتونس، رغبة بلاده في مساهمة جيشي البلدين في تدخل عسكري بليبيا يجري التحضير والتخطيط له منذ مدة. وعلى ضوء ما سبق، تبدو أحداث مدينة بنقردان التونسية ورقة ضغط على الحكومة لتغير موقفها من التدخل في ليبيا، وتصدير جيشها لمحاربة الإرهاب، خاصة بعدما طالها الإرهاب الذي قد يهدد اقتصادها عبر الاستهداف المباشر لقطاع السياحة، مما قد يورطها بصورة أو بأخرى مع داعش، ويجعل منها دولة معنية بالشأن الليبي أكثر من أي وقت مضى.