يبدو أن السعودية وجدت ضالتها باعتبار حزب الله منظمة إرهابية؛ للتعمية على دعوة البرلمان الأوروبي، 25 فبراير الماضي، الاتحاد الأوروبي لفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى السعودية، بعد اتهامها باستهداف المدنيين في اليمن؛ لذا حاولت المملكة تغطية إرهابها الذي تمارسه ضد الشعب اليمني، عن طريق تشتيت انتباه الرأي العام العربي بقرارات ضد حزب الله، الذي ما زال الكيان الصهيوني يعتبره الخطر المركزي الأبرز الذي يهدده. وتظهر مواقف الدول العربية أن هناك إملاءات سعودية تمارس على قرارات الحكومات العربية، ترغمهم على تنفيذ مطالبها، التي تصب بمصلحة المملكة، بغض النظر عن مصالح الحكومات العربية الأخرى. العراق تفضح كشفت العراق نوعًا من الضغوط التي مارستها السعودية على قرارات الدول العربية في مؤتمر وزراء الداخلية العرب الأخير، حيث قال وزير داخلية العراق، محمد الغبان، مبررًا انسحابه من المؤتمر "إن انسحابنا جاء بعد تفاجئنا بتوزيع قرارات المجتمعين دون أن يطّلع عليها أحد مسبقًا، ولم تُبحث في اللجنة التحضيرية كما جرت العادة، وأعلنّا تحفظنا على منهجية الإملاء وهيمنة طرف على قرارات المجلس وجر الآخرين إلى مواقف سياسية تحقق مصالح لطرف دون الآخر، فضلًا عن تضمين البيان قرارات لنا وجهة نظر فيها، وقد سلّمنا تحفظنا لرئيس المجلس والأمين العام. وأضاف الغبان: المنطقة العربية تشهد حاليًّا ظروفًا استثنائية صعبة، ينبغي من أجلها توحيد الصفوف وصياغة أسس عمل أمني مشترك، لا أن تُترك القضايا الأمنية العربية الجوهرية، وتركَّز الأنظار على قضايا سياسية لا تخدم العمل الأمني العربي، بل على العكس من ذلك، تؤدي إلى مزيد من التفرقة والانقسام. تونس تتراجع تنصل وزير الخارجية التونسي من بيان مؤتمر وزراء الداخلية العرب، حيث قال إن هذه القرارات تصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وتعلنه وزارة الخارجية وليست الداخلية. وعلى الرغم من أن الموقف التونسي لم يكن بقوة الموقف العراقي، لكنه كشف النقاب عن مواقف الدول العربية التي تساير قرارات السعودية؛ حتى لا تفقد مصالحها الاقتصادية معها، لا سيما بعد أن أوقفت هبتها للحكومة اللبنانية على مستوى وزارة الدفاع والداخلية؛ لخلافها مع فصيل سياسي بالداخل اللبناني. وقال وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي: إنّ اعتبار حزب الله تنظيمًا إرهابيًّا ليس موقف تونس، وأضاف أن اتخاذ مثل هذا قرار من المفروض أن يصدر عن رئيس الدولة بتنسيق مع رئيس الحكومة وتنشره وزارة الشؤون الخارجية، إما عن طريق بيان، أو بتصريح من الوزير المختص. كما أكد الجهيناوي في مقابلة تليفزيونية أنه لم يتم تصنيف حزب الله كتنظيم إرهابي، وما صدر هو بيان وليس قرارًا له قدرة إقرارية وصفة تنفيذية. وفي تصريح وصفه محللون بأن تونس حاولت إمساك العصا من المنتصف، من خلال موافقتها الصورية على قرار مجلس تعاون دول الخليج ضد حزب الله بحيث لا تغضب السعودية منها، وفي نفس الوقت أطلق الوزير التونسي تصريحات محابية لحزب الله، قال الجهيناوي إن علاقة تونسبلبنان متطورة جدًّا، وموافقة وزير الداخلية تأتي في إطار الإجماع العربي لا غير. الجزائر تتبرأ تكمن أهمية موقف الجزائر في نقطتين: الأولى أنها أكدت على أن هناك حكومات عربية ما زالت ترفض نهج التطبيع مع الكيان الصهيوني بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والثانية أن الجزائر مثلت نموذجًا عن الحكومات المستقلة بقراراتها، ولم تخضع لأي إملاءات خارجية، حيث أعلن وزير الخارجية الجزائرية رمطان العمامرة أن السلطات الجزائرية تتبرأ رسميًّا من قرار تصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية الذي أعلنت عنه دول الخليج، لافتًا إلى أن حزب الله حركة سياسية تنشط في لبنان، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة. وجاءت تصريحات وزير الخارجية بعد أن امتنعت الجزائر عن التصويت على قرار وزراء الداخلية العرب، الذي عقد في تونس الأربعاء الماضي، لاعتبار حزب الله إرهابيًّا. السعودية تصادر القرار العربي بدأت السعودية مؤخرًا اتباع أسلوب جديد بفرض أجندتها السياسية على كل الدول العربية دون مراعاة ما إذا كانت هذه الأجندة تتوافق مع هذه الحكومات على مستوى علاقاتها الخارجية أو حتى الداخلية في إطارها الشعبي. فالسعودية، والتي أعلنت في منتصف الليل من شهر ديسمبر الماضي، عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمكافحة الإرهاب، فاجأت الكثيرين من الدول العربية والإسلامية التي وجدت نفسها منضوية تحت هذا التحالف دون علمها أو حتى إخطارها بالأمر مسبقًا، كلبنان التي نفت وزارة خارجيتها علمها بإنشاء تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب تقوده السعودية، وأكدت على أنها لم تُستشَر بخصوص إنشاء التحالف من أي طرف، لا في داخل لبنان ولا خارجها، كما أن بعض الدول عبرت عن دهشتها من هذا القرار. كذلك عندما قطعت السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران مؤخرًا، سعت لإقناع بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، كما دعت الدول العربية لقطع علاقاتها مع طهران، ما دفع عددًا من الدول العربية التي ليست طرفًا في الخلاف السعودي الإيراني كالصومال وجزر القمر وجيبوتي إلى سحب سفيرها من إيران. ويبقى قرار السعودية الأخير بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية الذي حاولت الرياض تغليفه بمظلة عربية هو الأخطر، فالبيانات السعودية التي صادرت فيها القرار العربي في السابق كانت ذات طابع دبلوماسي سياسي، أما قرارها الأخير ضد حزب الله فلا يمكن تفسيره أو حتى تأويله إلا أنه محاولة مكشوفة وعلنية لدفع الموقف العربي باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.