كلما اشتدت الأزمات، ولاحت في الأفق مؤشرات لغضب جماهيري، تلجأ الدولة على الفور إلى الإعلان عن تغيير الوزارة؛ لامتصاص ذلك الغضب، ويفاجأ المواطن البسيط أن كل ما حدث هو استبدال لأسماء أفراد، دون النظر إلى قدراتهم الفعلية على التغيير، في ظل أيديولوجية دولة لم يطرأ عليها التغيير منذ فترة السادات وحتى السيسي. يقول الدكتور صلاح يوسف، وزير الزراعة الأسبق، إن التغيير الوزاري لن يقدم أي شيء للمجتمع أو المواطن المصري، ما دام المتحكم في إدارة الدولة نفس المجموعة أو الأفراد، لافتًا إلى أن نظام إدارة الدولة أصبح شديد المركزية، ويدور في أيديولوجية محدودة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التنموي. والدليل على ذلك أن الوزراء لم يكن لهم صوت عالٍ خلال فترة توليهم المسؤولية في عهد الرئيس السيسي حتى الآن، غير بعض الذين تتوافق رؤيتهم مع رؤية الرئاسة للإدارة، أو بمعنى آخر ليست لهم شخصية تستطيع أن تحدد ملامح كل منهم، وبالتالي إذا كان التغيير أو الإقالة بسبب فشل الوزارة فهو قرار غير صائب؛ لأن الفشل في حقيقته يرجع إلى مركزية الفكر الذي يدير الدولة، والذي من خلاله يتم اختيار المسؤولين وتكليفهم، مع وجود مجموعة أخرى تدير الأمور. وأوضح الوزير الأسبق أن وجود حكومات ضعيفة لا يعود إلى ضعف هؤلاء الأفراد الذين يمثلون الحكومات بقدر ما يعود إلى ضعف الاختيارات نفسها وضعف من رشحهم. متسائلًا: على أي أساس تم الاختيار؟ وما طبيعة التكليف؟ وكيف في غضون شهور يتم تغيير الوزارات بهذه السرعة في دولة مستقرة سياسيًّا؟ وإذا كانت الاختيارات صحيحة، فلماذا التغيير؟ وردًّا على أنه من المنطقي تغيير الحكومة بعد البرلمان، بأن هذا يكون في حالة وجود أحزاب تمثل أغلبية بالبرلمان، مؤكدًا أن الموضوع ما زال رئاسيًّا لا برلمانيًّا، مشددًا على أن تغيير الحكومات على النمط الحالي لن يؤدي إلا لزيادة أعداد أسماء الوزراء ورؤساء الوزراء، وكأنه تشريف لهم، وكذلك يعطي أمل في أناس لا يملكون قرارهم. فبدلًا من تغيير الحكومات، لا بد من تغيير فلسفة إدارة الدولة. وأكد يوسف أن الوضع الحالي لا يختلف عن فترة الرئيس مبارك، حيث كانت الدولة تدار من قِبَل لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك، فلم يكن الدكتور أحمد نظيف صاحب الكلمة الأولى، ولا حتى الرئيس مبارك؛ مما يدلل على أنه لا يوجد تغيير حقيقي في النهج الذي ربما استمر منذ عهد مبارك حتى الآن في شكل إدارة الدولة، ما عدا فترات قصيرة خلال فترة حكم المجلس العسكري لأسباب تاريخية، لافتا إلى أن الأمر يبدو في الوقت الراهن وكأننا نحاول مراضاة صندوق النقد بكل الطرق، وهذا جزء من الحقيقة، ولكن الأكثر وضوحًا أن الأيديولوجية التي تدار بها مصر حاليًّا لا تختلف عن أيديولوجية صندوق النقد ومن يديرونه، متناسين أن الدول التي وصلت إلى مرحلة الإفلاس مثل البرازيل واليونان لم يأخذ أبدًا صندوق النقد بأيديها، بل اعتمدت الأولى على مقوماتها وسياساتها التي تناسبها، حتى وصلت إلى القوة العاشرة اقتصاديًّا في غضون عقد ونصف من الزمان، بينما أخذ الاتحاد الأوربي على عاتقه الأخذ بيد اليونان التي ما زالت تعاني من تفاقم المشاكل الاقتصادية. وأكد وزير الزراعة الأسبق أن مشكلة التغيير الوزاري ليست في الأشخاص الذين الحقائب الوزارية، وإنما في الأيديولوجية التي تدار بها الدولة، مشددًا على وجوب تغييرها، "فعلى الأقل يجب أن تكون هناك حكومة تكنوقراط؛ لتدير الدولة وليست مؤسسة الرئاسة، ولكن لا يبدو هذا في الأفق"، لافتًا إلى أن البرلمان هو الآخر أصبح بشكل أو بآخر من ضمن مؤسسة الرئاسة، وليس رقيبًا عليها، محذرة من أن "فكرة وجود برلمان لا يختلف مع الرئيس؛ حتى لا تعاق مسيرة الدولة، هي فكرة عقيمة"، فلن يكون هناك أي نجاح في غياب معارضة قوية وحكومة مستنيرة، تبنى على أساس المناهج العلمية، ورقابة تصون مصالح الوطن والمواطنين. فيما علق الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مصر ما زالت تمر بمرحلة انتقالية، ولا بد من إجراء تغيير. فعلى الرغم من اكتمال الأضلاع السياسية للدولة «رئيس – برلمان – دستور – سلطة قضائية»، إلا أن الحكومة لم تتغير بعد البرلمان؛ ولذلك وجب تغييرها، للانتقال من حكومة الموظفين إلى حكومة سياسيين، مؤكدًا أن الدولة ما زالت تعمل بالممارسات القديمة التي كانت متبعة قبل ثورة 25 يناير. وأوضح نافعة أن الحكومة البيروقراطية ما زالت تعمل بنفس الآليات القديمة؛ لامتصاص غضب المواطنين، فعند حدوث أي أزمة، تلجأ الدولة إلى تغيير الحكومة، وعند اختيار أعضائها تستند إلى نفس المعايير التي كانت تُطبَّق لاختيار الحكومات السابقة، دون النظر إلى مقومات كل وزير ومدى قدرته على إحداث تغيير فعلي، يمكن أن يساهم به في استقرار وتنمية الدولة ومواطنيها.