عُقِد اجتماع ميونيخ لدعم سوريا، لكن على ما يبدو أن ما فشل فيه جنيف 3 لن يستطع ميونيخ إنجازه. فعلى الرغم من أن مجموعة دعم سوريا تبنت بيانًا ينص على وقف إطلاق النار وحل القضايا الإنسانية وإطلاق العملية السياسية وإجراء انتخابات خلال 18 شهرًا، إلا أنّ البيان لم يطالب الحكومة أو المعارضة السورية بالالتزام بموعد معين للعودة إلى المفاوضات، واكتفى بدعوة كافة الأطراف إلى المشاركة في المفاوضات تحت إشراف الأممالمتحدة في أسرع وقت ممكن. وقف إطلاق النار كان المحور الأساسي في تفاهمات ميونيخ، وحاول المجتمعون بلورة آليات معينة ووضعها ضمن نقاط؛ في محاولة لتحقيق هذا الشرط، حيث أكد البيان على أن يتم إجراء مشاورات لوقف إطلاق النار في سوريا، التي من المفترض أن تنتهي بتأكيد الحكومة السورية والمعارضة على وقف القتال، بعد هذا التأكيد سيتم وقف إطلاق النار خلال أسبوع، عبر لجنة عمل تابعة لمجموعة دعم سوريا ستحدد آليات وسبل وقف القتال، حيث سترأس هذه اللجنة روسياوالولاياتالمتحدة، وستقوم بترسيم حدود المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من المنظمات المتطرفة المدرجة في القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي، وستضم اللجنة مجموعة من الخبراء العسكريين الذين سيُناط بهم مهمة تنسيق الاتصالات بين الحكومة والمعارضة لتجنب التصعيد، بالإضافة لمهام التحقيق في حوادث خرق نظام الهدنة. وفي حال قيام جهة ما بخرق الهدنة بشكل مستمر، سيبلغ وزراء الدول الأعضاء في مجموعة دعم سوريا الذين قد يتخذون قرارًا بإبعاد هذه الجهة من نظام الهدنة. التحركات الإقليمية، والتفاصيل المبهمة والمعقدة لعملية وقف إطلاق النار، ناهيك عن النوايا، تجعل من اجتماع ميونيخ مجرد شعارات في مهب الريح، فروسيا وحليفاتها تشكك في عملية وقف إطلاق النار الذي أصبحت واشنطن تنادي به وبوتيرة متزايدة، خاصة بعد العمليات الواسعة والحاسمة للجيش السوري، فيما ترى أمريكا وحليفاتها أن عملية وقف إطلاق النار فرصة ثمينة لإعادة ترتيب صفوف المعارضة المسلحة، بعد الانتكاسات الخطيرة والكبيرة التي تعرضت لها في الشهور الخمس الأخيرة. أمريكاوروسيا والصراع المحتدم على ما يبدو فإن الصراع الدائر في سوريا بين الحكومة والمعارضة انتقل وبشكل رسمي ليصبح خلافًا روسيًّا أمريكيًّا، ففي الآونة الأخيرة ارتفعت وتيرة الخلافات بين واشنطنوموسكو. حيث أعرب أمس وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر عن ثقته في أن السعودية والإمارات ستقدمان قوات خاصة للحملة ضد تنظيم داعش. تصريحات كارتر جاءت على خلفية المحادثات التي بدأت في بروكسل الخميس الماضي مع أكثر من 12 وزيرًا للدفاع؛ بهدف الضغط على حلفاء الولاياتالمتحدة؛ للمساهمة في هذا الجهد. تزامنت تحركات كارتر خارج أمريكا مع تحركات في الداخل، حيث أصدر رئيس مجلس النواب الجمهوري بول ريان بيانًا الخميس دعا فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تقديم استراتيجية حقيقية وشاملة لهزيمة داعش بحلول يوم الاثنين المقبل. وفي السابق هدد وزير الخارجية الأمريكي في ميونيخ جون كيري وبشكل مفاجئ بالانتقال إلى الخطة "ب" العسكرية ما لم يتم إحراز تقدم في اتجاه وقف فوري لإطلاق النار، وإلا فالخيارات العسكرية مطروحة. كان هذا التصريح قبل اجتماع ميونيخ في ألمانيا؛ ما جعله يستدرك بالقول إنه سيكون إهمالًا دبلوماسيًّا من المستوى الأسوأ عدم القيام بمحاولةٍ وصفَها بال "أخيرة" لوقف النار. وأضاف: ما نفعله هو اختبار جدية الروس والإيرانيين، وإذا لم يكونوا جديين، عندها سيكون علينا التفكير بالخطة "ب" العسكرية. في المقابل لم يكن الموقف الروسي أقل ضراوةً بالنسبة للخيارات العسكرية، والدخول البري الذي تنشده واشنطن دون شروط مسبقة مع موسكو، حيث حذر رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف الخميس من نشوب حرب عالمية في حال حدوث تدخل بري أجنبي في سوريا، حيث قال: إنه يتوجب على الأمريكيين وشركائنا العرب أن يفكروا في مسألة حدوث حرب مستمرة، هل هم يعتقدون بالفعل أنهم سيفوزون بحرب من هذا النوع بسرعة كبيرة؟ وأضاف: يجب إجبار جميع الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدلًا من نشوب حرب عالمية جديدة. تصريح وزير الخارجية الأمريكي بالتلويح بأن وقف إطلاق النار يعد الفرصة الأخيرة تقاطع إلى حد كبير مع تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة مع صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" نشرت الأربعاء الماضي أكد فيها أن بعض الدول لا تخفي نيتها المراهنة على الحلول العسكرية في سوريا، حال فشل المفاوضات السلمية. مناورات إقليمية عسكرية أم سياسية؟ شهدت مناطق الشرق الأوسط تحركات مكوكية بين دول التحالف الإسلامي، شملت العديد من الدول العربية والإسلامية، كالسعودية والباكستان وقطر وتركيا وغيرها، حاولت أن تعطي انطباعًا وكأن هذه الزيارات ستحسم الخيار العسكري الذي كان يناقش بالطبع في أروقة القصور التي استضافت هذه الزيارات، وبدأت بلدان التحالف بالتلويح بعصا الحرب، ولكنها ما تلبث أن تتراجع. السعودية والإمارات تعتبر السعودية من أبرز الدول التي لوحت بالحرب، وعلى الرغم من أنها لوحت بها سابقًا، إلا أنها حاولت هذه المرة أن تبدو أكثر صرامة وحزمًا، حيث قال المتحدث باسم التحالف العربي أحمد العسيري، الخميس، إن قرار الرياض إرسال قوات برية إلى سوريا لمحاربة تنظيم "داعش" نهائي ولا رجعة عنه، لكن الرياض وفي الوقت نفسه جعلت باب الرجعة مفتوحًا، حيث إن المشاركة السعودية في سوريا لن تكون بصورة منفردة، وإنما مشروطة بمشاركة الولاياتالمتحدة، كما أنها محصورة كذلك بمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا فقط دون العراق؛ ما يعني أن دخول القوات السعودية لسوريا يجب أن يكون تحت مظلة أمريكية؛ ما قد يعقد هذه المشاركة أو يحصرها بالفعل بمقاتلة داعش حصريًّا، فالولاياتالمتحدة تدرك أن أي تهور سعودي في سوريا قد يكلفها حربًا عالمية، وهنا ستكون مشاركة السعودية مفرغة من مضمونها، فأي مشاركة للرياض في سوريا لا تهدف لقتال داعش، وإنما تستهدف دعم المعارضة السورية وإعادة التوازن على أرض المعركة، وهي التي حملت على كاهلها ومنذ خمس سنوات مشروع الإطاحة بالأسد من سدة الحكم. الجدير بالذكر أن موقف الإمارات يتطابق مع الموقف السعودية، حيث أعربت الإمارات في 7 فبراير عن استعدادها للمشاركة في حملة برية ضد "داعش" في سوريا، ولكن بشرط أن تكون هذه المشاركة تحت القيادة الأمريكية. الكويت قال وزير الدفاع الكويتي قبيل مغادرته مقر حلف شمال الأطلسي الخميس، بعد مشاركته في اجتماع البلدان الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، إن القواعد الجوية الكويتية مفتوحة لقوات التحالف الدولي من أجل محاربة داعش، ولكنه في الوقت نفسه أوضح أن الدور الكويتي يشمل تقديم تسهيلات مختلفة تتعلق بالدعم اللوجيستي وتقديم المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية. تركيا على الرغم من الوفود العسكرية المتبادلة بين أنقرةوالرياض، إلا أن تركيا نفت الاتهام الروسي لها بالتحرك عسكريًّا في الشمال السوري، حيث قالت وزارة الدفاع الروسية إن لديها أسبابًا جدية تحمل على الاعتقاد بأن تركيا تعد لتدخل عسكري داخل الأراضي السورية. نفي تركيا علقت عليه مصادر عسكرية تركية بالقول بأنهم لا يظنون أن هناك نية لدى الجيش التركي للقيام بعملية عسكرية في سوريا، لا سيما في ظل تصاعد التجاذبات الدولية والإقليمية. تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة، بالضغط على المجتمع الدولي عبر ورقة اللاجئين السوريين، تسير باتجاه استبعاد قيامه منفردًا بأي حرب لا تحظى بغطاء دولي، فعلى ما يبدو فإن الغطاء الإقليمي العربي وحده لا يكفي، خاصة وأن أغلب دوله تعاني من مشاكل اقتصادية متصاعدة، كما أنها لا تشكل ثقلًا حقيقيًّا يستطيع الاستناد عليه في مواجهة الدب الروسي. إيرانوروسيا في المقابل كانت هناك تحركات عسكرية لافتة لروسيا وحلفائها في المضمار السوري، حيث كشفت معلومات صحفية روسية عن تشغيل جسر جوي بين إيرانوسوريا، باشر بنقل فرَق بريّة ومنظومات صواريخ متطوّرة إلى جبهات حلب، بمواكبة استحداث غرفة عمليات "سورية – روسية – إيرانية" باتت تُدير العمليات العسكرية على طول الجبهات الشمالية.