في الوقت الذي لا يعلو فيه صوت داخل مصر على "قفا يوسف الحسيني"، و"خماسية الزمالك" و"المدرجات للجماهير".. فإن طبول الحرب العالمية الثالثة، أو على أقل تقدير الحرب الإقليمية، تدقّ بصوت مدوي لا يخطئه سوى من يغطُ في سبات عميق. منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهو ليس بربيع، فإن الحرب الإقليمية بالوكالة على أشدها في المنطقة العربية، نجت منها مصر بعد سقوط جماعة الإخوان الإرهابية في ثورة 30 يونيو، وتونس بعد ضياع الحلم الإخواني في الحكم، ولكن الوضع لم يكن كذلك في بقعتين ساخنتين أخريين وهما سوريا واليمن. في سوريا، أحرقت الحرب الأخضر اليابس، الانتفاضة التي بدأت بالمطالبة بإصلاحات سياسية تحولت إلى لون الدم بين نظام يدافع حتى الرمق الأخير عن سلطته، وبين مقاومة مشتتة بين معتدلة ومتطرفة، وسط حروب بالوكالة بين جميع الأطراف الدولية والإقليمية، شاركت فيها دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر من خلال دعم المقاومة السورية ضد الأسد، ولعبت تركياوأمريكا دوراً بارزاً في تمرير المقاتلين والأسلحة إلى هذا الطرف لإسقاط الأسد، في حين استأسدت إيرانوروسيا في الدفاع عن حليفها في دمشق، وهو ما تبلور أخيراً في التدخل العسكري الروسي المباشر في الصراع السوري، وقبلها كان هناك تدخلاً مباشراً أيضاً من إيران وحليفها حزب الله لصالح الأسد. دخول روسيا على الخط في الحرب السورية يهدد بإشعال كرة اللهب في المنطقة الملتهبة أساساً، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي قال إن استهدف روسيا لأهداف لا تخص تنظيم داعش الإرهابي في سوريا أمر يثير قلق أمريكا، وأشار إلى أن واشنطن لا تعارض القصف الروسي لداعش او القاعدة، ولكن سيكون الأمر خطيراً إذا كانت موسكو تسعى لدعم الأسد. على الجانب الآخر فإن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر قال بوضوح إن الغارات الروسية التي بدأت أمس الأربعاء لم تستهدف داعش، ووصف التدخل العسكري الروسي في سوريا بأنه "يصب الزيت على النار". وفي نفس الوقت فإن مصادر إعلامية سورية أكدت أن الغارات الروسية استهدفت مواقع للمعارضة السورية في حمص. الأمر الأشد خطراً هو أن السماوات السورية أصبحت مفتوحة الآن على مصراعيها أمام الأمريكيين والفرنسيين والروس، وبالتالي فإن حدوث ما يُطلق عليه accidental mistake أو الخطأ غير المقصود يمكن أن يشعل حرباً ضروساً بين الأطراف ذات الصلة بالصراع، خاصة في ظل تضارب مواقف القوى الكبرى تجاه بقاء الأسد من عدمه في الحكم، والدور الذي لعبته بعض هذه الدول في دعم الجماعات المعارضة للرئيس السوري، وهو الأمر الذي تدركه روسيا جيداً. على الجانب الآخر، فإن الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران دخلت مع الحرب في اليمن إلى مرحلة شديدة الخطورة. فقد نجح التحالف العربي بقيادة الرياض في دحر الحوثيين المدعومين من طهران من مناطق جنوب اليمن، وعاد الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن، ولا تزال معركة صنعاء تنتظر الحسم. يرى كثير من المراقبين أن انتصار التحالف العربي في صنعاء سيكون انتكاسة كبرى لإيران وحلفائها الحوثيين، ولكن المهمة لن تكون سهلة على الإطلاق، لأن الطريق إلى صنعاء أكثر وعورة من نظيره إلى عدن، خاصة مع تمركز القبائل الموالية للحوثيين في الشمال. وفي نفس الوقت، فإن حادث جسر الجمرات في منى، والذي أودى بحياة 770 حاجاً على الأقل، من بينهم أكثر من 200 حاجاً إيرانياً، ساهم في إشعال التوترات بين إيران والسعودية، خاصة مع اللهجة الإيرانية المستفزة ضد الرياض. فقد تطاول المسئولون الإيرانيون على السعودية، وهو ما تبلور أخيراً في التهديدات التي أطلقها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أمس الأربعاء، والتي قال فيها أمام حشد من القادة العسكريين الإيرانيين إن إيران لديها اليد العليا في المنطقة. وأضاف بقوله "يجب أن يعلم السعوديون أن إيران تملك المزيد من القدرات. وإذا قررت التحرك فإن موقفهم لن يكون جيداً". من جانبه، رأى عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، تلك التصريحات على أنها "إعلان حرب على السعودية". وقال عبدالله في تغريدة على موقع "تويتر": في القاموس السياسي توعد خامنئي برد عنيف، هذا يعني إعلان حرب على السعودية. هذه ليست لغة حرب باردة بل استعداد لحرب ساخنة. ولكن اللهجة الإيرانية النارية، قابلتها أيضاً محاولات للتهدئة من مسئولين آخرين. فقد أكد وزير الصحة الإيراني أن السعودية تتفانى في بذل كل الجهد للتعامل مع حادث التدافع في منى، والذي وصفه بأنه "قضاء وقدر" و"أمر خارج عن الإرادة".