لعب النفط خلال الأعوام الماضية دورًا استراتيجيًّا في السياسات الدولية؛ كونه المصدر الأكبر والأهم للطاقة بالعالم والمحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، لكن ما حدث في الفترة الأخيرة يقلل من أهميته الاستراتجية مستقبليًّا، لا سيما أن تهاوي أسعار النفط يؤثر على دول كثيرة، بينما تمثل هذه الأسعار للدول المستوردة فرصة ذهبية لإنعاش اقتصادها وتوفير مليارات الدولارات. تركيا تعتبر من أكثر المستفيدين من انخفاض أسعار النفط؛ لأنها تستورد معظم حاجاتها من النفط بنسبة 90%؛ لذلك فهي تعاني دومًا من عجز في الحساب الجاري؛ نتيجة ارتفاع فاتورة وارداتها من النفط. ووفقًا للأرقام الرسمية فإن تركيا تستورد بحوالي 60 مليار دولار نفطًا في العام؛ ما يعني أن هبوط أسعار النفط سيؤدي إلى خفض العجز التركي. وتشير بعض التوقعات الحكومية إلى تراجع العجز بمقدار 4.5 مليار دولار لكل 10 دولارات انخفاض في أسعار النفط. من جانبه أكد نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية التركية، علي بابا جان، أن تداعيات انخفاض أسعار النفط ستكون إيجابية بشكل كبير على الاقتصاد، مضيفًا أن كل تراجع لأسعار النفط الخام بقيمة 10 دولارات سيكون له أيضًا انعكاس على انخفاض حجم التضخم في البلاد بنسبة 0.5%، وكذلك ارتفاع في حجم النمو بنسبة 0.3%. منطقة اليورو تعتبر واحدة من أكثر المناطق التي سيعود عليها انخفاض أسعار المواد النفطية بالنفع؛ لأنها تستورد حوالي 90% من احتياجاتها من النفط، ويصب الانخفاض الأخير بشكل واسع في صالح الصناعة الأوروبية، خاصة لدى بعض الدول مثل بريطانيا التي تُعد الفائز الأكبر من انخفاض أسعار الوقود، مما أدى إلى خفض التضخم بنسبة 1%، بالإضافة إلى تخفيض الضغوط على ميزانيات الأسر والشركات ورفع الثقة وتحسين آفاق النمو لعام 2015. الهند تعاني من عجز مالي منذ سنوات؛ نتيجة لارتفاع معدلات التضخم، وتعتمد بشكل كبير على النفط المستورد، وهي أبرز المستفيدين من انخفاض أسعاره. فخلال أكتوبر الماضي انخفضت قيمة استيراد النفط ل 164 مليار دولار، واستغلت الهند تلك الفرصة لخفض دعم ديزل السيارات ورفع الضرائب؛ لهبوط معدلات التضخم. الولاياتالمتحدة يعد تهاوي أسعار النفط من الأخبار السارة للولايات المتحدةالأمريكية؛ لأنه سيوفر حوالي 75 مليار دولار من إنفاق الشعب الأمريكي على السلع الأخرى، بما يعادل 0.7% من إجمالي استهلاك الولاياتالمتحدة. وحققت أمريكا نموًّا اقتصاديًّا خلال الفترة الأخيرة؛ بسبب انخفاض أسعار الطاقة، فقد وصلت أسعار البنزين إلى أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2010. ويقول المراقبون: إن التعافي القوي للاقتصاد الأمريكي يُعزَّى جزء منه لانخفاض فاتورة الطاقة. الصين تعتبر الصين أكبر المستفيدين من انخفاض أسعار النفط، فسجلت وارداتها من النفط الخام خلال العام قبل الماضي نحو 308 ملايين طن بقيمة 226 مليار دولار، وبزيادة وصلت نحو 10% مقارنة بعام 2013. ويقدر الخبراء كل انخفاض في أسعار النفط بنسبة 10% يؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بما يعادل 0.15 نقطة مئوية، وانخفاض التضخم الاستهلاكي بما يقرب من 0.25 نقطة مئوية، كما أنه يحسن ميزان الحساب الجاري بنسبة 0.2% من إجمالي الناتج المحلى. وتطمح الصين في الانتهاء من مشروع زيادة حجم احتياطياتها الاستراتيجية من النفط؛ لدخوله حيز التنفيذ في ظل تهاوي أسعاره. وكانت الصين قد بدأت مشروعها لبناء مواقع لتخزين الاحتياطي الاستراتيجي منذ عام 2003 في إطار خطة شاملة لحماية أمن الطاقة. ويهدف المشروع إلى جعل الاحتياطي الاستراتيجي يكفي الصين لمدة تسعين يومًا، حيث يرى مراقبون أن أمن الطاقة لدى الصين – وبالنظر إلى حجم استهلاكها الكبير – يتطلب مخزونًا يصل إلى 120 يومًا، بينما الاحتياطي الفعلي لمخزون الطاقة في الصين 60 يومًا.