أيام قليلة تفصلنا عن عقد مؤتمر جنيف3 السوري، الذي من المفترض أن يلتئم 25 يناير الجاري، لكن القوى السياسية الفاعلة في سوريا لا تزال متخبطة بين عقد الاجتماع وتأجيله، وفي الوقت نفسه لا تزال الخلافات والعقبات تعترض طريق التفاهم بين جميع الأطراف الدولية والإقليمية، خاصة بما يتعلق بتشكيل وفد المعارضة الذي من المقرر أن يجتمع مع الحكومة السورية، وترفض روسيا وإيران وبعض أحزاب المعارضة تفرد السعودية بتمثيل المعارضة السورية حسب أهوائها من خلال وفد مؤتمر الرياض، فيما تتمسك الأخيرة بالهيمنة على طاولة المباحثات. تصريحات متضاربة.. واجتماعات ماراثونية قال مبعوث الأممالمتحدة الخاص بسوريا ستافان دي ميستورا، أمس الأربعاء، إن محادثات السلام قد لا تبدأ كما هو مخطط لها في جنيف 25 من يناير الجاري، مطالبًا القوى الكبرى بمواصلة الضغط الدبلوماسي على أطراف النزاع؛ للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وأوضح أنه سيُحدَّد يوم الأحد المقبل ما إذا كانت المفاوضات ستُعقَد في موعدها أم لا. وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم وزراة الخارجية الأمريكية مارك تونر، أمس الأربعاء، إن تأخيرا لمدة يوم أو يومين في بدء المحادثات المزمعة 25 يناير بين الحكومة السورية والمعارضة لن يكون نهاية العالم، وردًّا على تلميح دي مستورا قال تونر: المواعيد النهائية مسألة مهمة، لكن إذا تأخرت ليوم أو اثنين، فهذه ليست نهاية العالم أيضًا، نعترف بأن هذه عملية صعبة، لكن علينا مواصلة الضغوط ومواصلة المضي قدمًا. التخبط الأمريكي الأممي في الاتفاق على موعد محدد لانعقاد المفاوضات دفع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى عقد اجتماع مع نظيره الأمريكي جون كيري، في زوريخ السويسرية؛ للتباحث حول موعد عقد الاجتماع، لكن المحادثات لم تثمر شيئًا، فخرج الطرفان ليؤكدا أن الاجتماع سينعقد في أواخر يناير، دون تحديد يوم. وقال وزير الخارجية الروسي: عقد المفاوضات السورية يجب أن ينطلق في أواخر يناير، ولا حديث حول تأجيلها لشهر فبراير، مضيفا إننا واثقون بأن المفاوضات ستبدأ خلال الأيام المقبلة،ونعمل على تحقيق وقف إطلاق النار في سوريا مع جميع الأطراف ما عدا التنظيمات الإرهابية، مؤكدًا أنه لا يمكن الحديث عن مشاركة جيش الإسلام في المفاوضات السورية، كما أعلن لافروف، أن روسيا أبدت استعدادًا لتنسيق أكبر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في سوريا. وأكدت مصادر مواكبة للمفاوضات، أن لافروف وكيري اتفقا على تعديلات ستطرأ على وفد المعارضة خلال اليومين القادمين، مضيفة أن هذه التعديلات أصبحت الآن في عهدة المبعوث الأممي. المواقف المضطربة دفعت الأممالمتحدة إلى الإعلان عن أنها لن توجه دعوة لحضور مفاوضات السلام السورية، لحين توصل الدول الكبرى إلى اتفاق بشأن تركيبة وفد المعارضة، فقال المتحدث باسم الأممالمتحدة فرحان حق: حين تصل الدول التي تقود عملية المجموعة الدولية لدعم سوريا إلى تفاهم لتحديد من تُوجَّه لهم دعوات من المعارضة، ستوجه الأممالمتحدة دعوات، ورجح دبلوماسيون في الأممالمتحدة أن يتم تأجيل المفاوضات التي ترعاها المنظمة الدولية. الهيئة التفاوضية.. أداة سعودية في الوقت الذي كانت فيه القوى الدولية تسابق الزمن لتحديد موعد نهائي لعقد المفاوضات السورية، كانت بعض الأطراف الإقليمية تعيد ترتيب أوراقها، وتنظم صفوفها؛ لتبدأ جولة جديدة في معركة كسب التأييد وفرض الرأي على طاولة المباحثات السورية. وخلال تحدي واضح لروسيا أعلنت الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة السورية، التي تشكلت في الرياض الشهر الماضي، أسماء وفد المعارضة للمشاركة في مؤتمر جنيف3، ومن بينها المسؤول السياسي في جماعة جيش الإسلام محمد علوش، وهي الجماعة التي تصنفها موسكوودمشق أنها إرهابية، وأوضح منسق الهيئة، رياض حجاب، أن الهيئة اختارت العميد المنشق أسعد الزعبي رئيسًا لوفد التفاوض، وجورج صبرا نائبًا له، ومحمد علوش كبيرًا للمفاوضين، لافتًا إلى أن الجيش الحر سيكون ضمن الوفد المشارك في مفاوضات جنيف، رافضًا إدراج أي أطراف جديدة في طاولة المفاوضات، وهو ما يمثل رسالة شديدة التصلب، ومحاولة سعودية لعرقلة المفاوضات من خلال التفرد بتمثيل المعارضة. كما شدد منسق الهيئة التفاوضية السورية، في نفس الوقت، على أن المعارضة لن تشارك في المفاوضات إذا ما تدخل طرف ثالث فيها، متهمًا روسيا بإعاقة مسار المفاوضات من خلال تمسكها بإشراك أطراف معينة تحت لواء المعارضة في محادثات جنيف. رفض وتعنت سعودي الاعتراض على وفد المعارضة الذي تم تشكيله لم يأتِ من روسيا وإيران فقط، بل امتد الرفض إلى بعض الأحزاب الأخرى المحسوبة على المعارضة السورية، والتي لم تدعُها السعودية إلى اجتماع الرياض، أو رفضت الحضور، وعلى رأسها الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية هيثم مناع، الذي قال، إن بعض الدول الإقليمية تريد استعمال المعارضة السورية كورقة، مؤكدًا رفضه هو ومجموعته هذا الأمر. وأضاف مناع أن مجموعة الرياض خاضعة لبعض الدول، وتم حذف بعض الأسماء من المعارضين برغبة أطراف إقليمية، كاشفًا أن بعض الأسماء في وفد الرياض ارتكبت جرائم حرب، قائلا: لن نجلس مع مجموعات ارتكبت جرائم حرب وأعمالاً قذرة بحق الشعب السوري، كما لا يمكن لطرف مسلح سوري يضم مقاتلين أجانب أن يشارك في المباحثات، فالبعض بمجموعة الرياض يعتبر الديمقراطية شركًا وكفرًا، مضيفًا، نحن من رفض الذهاب إلى الرياض؛ لأنه لم يكن مؤتمرًا تمثيليًّا، ولم نستجدِ أحدًا. واعتبر مناع، أن جبهة النصرة والجماعات المسلحة التي تشبهها تتراجع على الأرض، بينما الجيش السوري يتقدم بصحبة قوات سوريا الديمقراطية، كما أوضح أن هناك ثلاث مرجعيات بالنسبة لوفود المعارضة حسب القرار الدولي، هي موسكو والقاهرة والرياض، وليست الرياض وحدها. وهاجم القائم بالأعمال في بعثة سوريا لدى الأممالمتحدة منذر عددًا من الدول الخليجية، على رأسها السعودية وقطر؛ لعرقلتها مساعي الحل السياسي في سوريا، وردًّا على ذلك رفض وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أي ضغط على اللجنة المنبثقة من مؤتمر الرياض، معتبرًا أنها الجهة المعنية بتحديد من يمثلها، متجاهلًا بقية أطراف المعارضة التي لم تمثل في هذا الكيان. من جانبه قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف: تحديد مَن ينبغي أن يمثل قوى المعارضة السورية في محادثات السلام الدولية المقررة هذا الشهر أمر يرجع إلى مبعوث الأممالمتحدة الخاص لسوريا، وأنا واثق من أنه سيطبق جميع المعايير. وأضاف ظريف، أن وفد المعارضة ينبغي ألا يضم أعضاء من جماعات إرهابية، كداعش والقاعدة وجبهة النصرة، كاشفًا أن عشرة أعضاء مسجلين بالقاعدة حضروا اجتماعًا للمعارضة بالرياض، وهو الاجتماع الذي تمخض عنه ما يُعرَف بوفد الرياض، الذي من المقرر أن يذهب لمحادثات جنيف. جنيف3.. مصير غامض تكتنف انعقاد مؤتمر جنيف3 أجواء غامضة وتعتري طريق المفاوضات عراقيل عدة، فهناك ملفات عالقة لا تراوح مكانها، ومصيرها مجهولًا. ورغم أن العملية السياسية تعدد جولاتها على مدار سنوات الأزمة، إلا أنها في الوقت الحالي تحتاج إلى إنعاش سريع وقرارات صارمة ومواقف حازمة، قبل أن تنهار نهائيًّا، وتعود إلى نقطة الصفر، فمن المستحيل أن تذهب الحكومة السورية إلى الجلوس في مفاوضات مع قادة جماعات تصنفها دمشق على أنها إرهابية، ومن المستبعد أن تتنازل السعودية عن تعنتها في التمسك بوفد الرياض كممثل للمعارضة، وما بين هذا المستحيل وذلك المستبعد تقع الأزمة السورية، لتلوح في الأفق مؤشرات انهيار المفاوضات.