انتهى الاجتماع العاشر لمفاوضات سد النهضة في الخرطوم دون توقيع اتفاق ينهي الجدل ويزيل الشكوك التي أثيرت حول تأثيراته السلبية على دولتي المصب مصر والسودان، ودون التوصل إلى حلول للمشاكل العالقة بين القاهرة وأديس آبابا، وأبرزها الخلافات بين المكتبين الفرنسي والهولندي المعنيين بإجراء الدراسات الفنية للسد، مما أثار الغضب ليس فقط لدى المتابعين والمتخصصين في الشأن الإفريقي وخبراء المياه، بل كافة أبناء الشعب المصري الذي لا يشعر، رغم تعدد الاجتماعات والمفاوضات، بأي اطمئنان حتى الآن على أمن مصر المائي. الخبراء أكدوا أن هناك تلاعبا، إثيوبيا في الأساس، أدى إلى فشل هذه المفاوضات، وأن لدى القاهرة يقينا كاملا ب«نوايا أديس أبابا»، وتعلم أن الأمور لم تكن في صالحها طوال السنوات الماضية، وأن المستقبل يحتاج لخطوات سريعة وجادة في آن واحد، إلا أنها لجأت لإبداء حسن النوايا لحل القضايا العالقة بين البلدين، وهو مالم يكن في صالحها. فقد استغلت إثيوبيا الهدوء المصري وفرضت أمرا واقعًا ببناء 50% من السد، ما يمثل ضغطًا على المفاوض المصري، فلو كانت أديس أبابا ترغب في تعاون جاد لكانت انتظرت لحين الانتهاء من المفاوضات خاصة أن «الجزء الأكبر فيها فني ويدرس الأضرار الواقعة على دولتي المصب مصر والسودان»، ولكانت أرجأت عمليات التشييد والإنشاء التي تقوم بها بصورة يومية. إن ما يتضح من هذه المفاوضات وما تتجه إليه من فشل، أن القيادة الإثيوبية تدرك أن الجلوس على مائدة المفاوضات بطريقة إيجابية لن يكون في مصلحتها، لذلك فقد عملت بكل ما تملك من قوة لإبقاء الأمور «خارج السيطرة» لتبقى الأوضاع كما هي، انتظارا لإنهاء أعمال السد وفرض الأمر الواقع. محطات الاجتماعات، المفاوضات، المكاتب الاستشارية، التصريحات الغاضبة، الشواغل المصرية، والاتفاقيات.. جميعها مراحل مرت بها "أزمة" سد النهضة الإثيوبي في العامين الماضيين، وكان سيناريو "المط والتأجيل" هو الطريقة الوحيدة التي استطاعت بها أديس أبابا إيقاف قطار المفاوضات في أكثر من محطة فرعية، والإعلان عن تأخر وصوله ل"محطة النهاية". «البديل» رصد كافة محطات سد النهضة، لإطلاع القارئ على ما دار في هذا الملف الشائك. لابد من الإشارة أولا إلى أنه كان من المفترض أن يكون الميعاد الأخير للإعلان عن التوقيع القانوني مع المكاتب الاستشارية لسد النهضة في يونيو الماضي، بعد أن كان الموعد المحدد قبلا 10 مايو، كما أعلن وزير الري الدكتور حسام مغازي، وكان سبب التأجيل وفقًا لتصريحات الوزير الرسمية هو الانتخابات الإثيوبية التي أجريت الشهر الماضي، إلى جانب تشكيل حكومة جديدة في السودان بعد فوز البشير. البداية البداية جاءت في 15 مايو 2012، وهو موعد الاجتماع الأول للجنة بأديس أبابا لتقييم سد النهضة، وللاطلاع على المستندات والدراسات التي تقدمها إثيوبيا حول السد وآثاره الإيجابية والسلبية على كل من مصر والسودان. وفي 19 يونيو 2012 كان الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية في القاهرة واستمر لمدة 3 أيام، وكانت نتائج اجتماعاتها مرضية إلى حد ما، وحققت الهدف المنشود، بالتوافق حول مجموعة من المكاتب الاستشارية التي ستستكمل الدراسات الفنية والبيئية المطلوبة للمشروع. وفي 28 مايو 2013 انعقد اجتماع اللجنة الثالث في أديس أبابا واستمر 3 أيام، وكان من المقرر أن يجري الأعضاء خلاله مناقشات فنية تشمل مراجعة الدراسات الخاصة بالتأثيرات المحتملة للسد على الدول الثلاث، وإجراء مراجعة للتصميمات. وفي 25 أغسطس 2014 انعقد الاجتماع الرابع على مستوى وزراء الري في البلدان الثلاث، وركز على ضرورة التعاون والاستفادة القصوى من مياه النيل وحل الخلافات بصورة ودية عن طريق التفاوض. وفي 20 سبتمبر 2014 بدأ الاجتماع الخامس، وعنيت خلاله اللجنة بإتمام الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الدولية للخبراء بخصوص سد النهضة، وأبدى ممثلو الدول الثلاث المرونة الكافية لإنهاء هذه الاجتماعات بشكل جيد، كما تناولت اللجنة النقاش حول الشروط المرجعية والقواعد الإجرائية للجنة الوطنية، واعتماد نطاق عمل الدراستين الموصى بهما في التقرير النهائي للجنة الدولية الصادر في مايو 2013. وفي 16 أكتوبر 2014 عقدت اللجنة اجتماعها السادس في القاهرة، وصرح الدكتور حسام مغازي، بأنه سيتم خلال الاجتماع الاتفاق على الآلية الخاصة بتبادل البيانات الفنية المطلوبة من الدول الثلاث لإتمام الدراستين، لافتًا إلى اختيار أحد المكاتب القانونية الدولية "كوربت" للقيام بالإجراءات المالية والإدارية نيابة عن الدول في التعامل مع المكتب الاستشاري الدولي. وفي 10 فبراير 2015 انعقد الاجتماع السابع، وتوصلت البلدان الثلاث إلى عدد من التفاهمات، من بينها مواصلة الاجتماعات لمناقشة القضايا العالقة. واجتمعت اللجنة في أديس أبابا في 8 أبريل 2015 الاجتماع الثامن لها، وسط جو من التفاؤل خاصة بعد توقيع وثيقة سد النهضة في مارس 2015 التي قادها زعماء الدول الثلاثة في العاصمة السودانية الخرطوم، وكان ذلك الاجتماع هو الأول للجنة بعد اتفاق المبادئ الذي وقع عليه الرئيسان السيسي، والبشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي. في تلك الأثناء، قال مغازي، إن الاجتماعات تأتي في إطار الروح الجديدة والمساعي الحثيثة لبناء الثقة التي أرساها الزعماء الثلاث، فضلا عن انعكاس الأجواء الإيجابية التي أسفرت عنها زيارة الرئيس السيسي للبرلمان الإثيوبي ولقاءاته مع كبار المسؤولين في كل من إثيوبيا والسودان. وعقب انتهاء الاجتماعات أعلنت اللجنة عن اختيار مكتبين استشاريين هما "دلتا رس" الهولندى كمكتب مساعد لإجراء دراسات سد النهضة، و"بى آر إل" الفرنسي، وكُلّف المكتبان بإجراء الدراسات البيئية والمائية والاقتصادية والاجتماعية للسد وتأثيره على مصر والسودان، وتم اختيار هذين المكتبين من بين 10 مكاتب تقدمت بعروض مالية وفنية للفوز بإجراء هذه الدراسات. وكان من المقرر بعد اختيار المكتب الاستشاري والتوافق عليه أن يتم التوقيع معه في احتفالية بالقاهرة بحضور الوزراء الثلاث، بعد إتمام العقود الفنية والمالية ومراجعتها مع المكتب القانوني الدولي الإنجليزي "كوربت"، بما يعني ضرورة الالتزام بالجدول الزمني المقرر والمتفق عليه لإنهاء الدراسات الفنية، يعقبه توقيع 4 اتفاقيات تتوافق مع مبادئ الوثيقة. كما كان من المقرر أيضًا أنَّ يعد وزراء الدول الثلاثة آلية لتنفيذ ما ستسفر عنه دراسات المكتب الاستشاري من توصيات، وأن تخطر دولة المنبع دولتي المصب بما قد يطرأ في تشغيل السد، فضلًا عن اتفاق لوضع آلية لمنع الضرر، لكن التباطؤ الإثيوبي المتعمد أدى إلى تأخر المفاوضات لمدة تزيد عن 3 أشهر كاملة بأعذار غير مقنعة، الأمر الذي حال دون تحديد موعد جديد لاجتماع اللجنة، وكانت النتيجة التأجيل 6 مرات في 3 أشهر، إلى أن تحدد موعد لاجتماع جديد في القاهرة. كان ذلك في أوائل يوليو 2015 حيث عقد الاجتماع التاسع، وفيه فشلت اللجنة في تحديد موعد للتعاقد مع المكتب الاستشاري؛ بسبب التعنت الإثيوبي والخلاف حول مدة إجراء الدراسات، حيث أرادت مصر إجراءها في المدة المتفق عليها وتتراوح ما بين 8 إلى 11 شهرًا، بينما رغبت إثيوبيا في إطالة الفترة وعدم الالتزام بما جاء في خارطة الطريق، فضلا عن الخلاف بين أعضاء اللجنة حول البرامج والنماذج الرياضية المستخدمة في تقييم سد النهضة. اجتمعت اللجنة في القاهرة للمرة العاشرة قبل يومين بحضور وزراء الخارجية والمياه في البلدان الثلاثة، وانتهت اجتماعاتها أمس دون التوصل لحل، وتم تحديد ميعاد جولة مفاوضات جديدة يومى 27 و28 ديسمبر الجاري بالخرطوم، بمشاركة الوزراء الستة. الخبراء أكدوا أن على مصر ألا تستسلم للمماطلة الإثيوبية وكثرة التأجيل دون التوصل إلى حل للقضايا العالقة، وشددوا على أن إثيوبيا تستهلك الوقت في المفاوضات، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى تسارع وتيرة الإنشاءات التي أنجزت ما يقرب من 50% من المشروع، كما طالب بعض الخبراء بتدويل القضية في مجلس الأمن أو محكمة لاهاي، استنادا إلى أن إثيوبيا أنشأت السد دون موافقة القاهرة في البداية، ما يعد مخالفة للقانون الدولي.