تحمل بعض شوارع القاهرة أسماءً قد تكون لها جذور تاريخية، أو وراءها قصة طريفة أو اسم شخص مشهور أثر في تاريخ مصر، وفي ظل عدم انتشار الوعي التاريخي وغياب الهوية المصرية التي يجهلها الكثير من المصريين، أخذت "البديل" على عاتقها نشر الوعي التاريخي لدى المواطنين، وحديثنا اليوم عن حارة الوزيرية، ولماذا سُمِّيَتْ بهذا الاسم؟ يقول صلاح الناظر، الباحث الأثري، "حارة الوزيرية" كانت تعرف في أول تخطيطها باسم حارة بستان المصمودي، ثم عُرفت ب"حارة الأكراد"، ثم أصبحت حارة الوزيرية؛ نسبة إلى الوزير يعقوب. وأضاف "الناظر" تقع في شارع باب الوزير، بجوار مدرسة "الأمير إيتمش البجاسي" بالدرب الأحمر، وسكانها من أتباع الوزير يعقوب بن كلس، الذين عُرفوا بالطائفة الوزيرية، وعددهم أربعة آلاف، وكانت من الحارات الكبيرة. ويعقوب بن كلس كان وزيرًا للخليفة الفاطمي العزيز بالله، وهو يهودي عراقي، ولد في بغداد سنة 318ه/930م، وهاجر إلى فلسطين، وأقام بمدينة الرملة، وصار وكيلًا للتجار. وأوضح كان يعقوب بن كلس عنيدًا ماكرًا، اختلس أموال التجار، ثم فر من دائنيه، لكنه ما لبث بعد سنة 355ه/966م وهو في السادسة والثلاثين من عمره أن ظهر في مصر كتاجر ثري يمارس أعمالًا تجارية عظيمة مع حاكم مصر كافور الإخشيدي، وأعجب به كافور، وقال عنه: لو كان مسلمًا لصلح لأن يكون وزيرًا". وتابع "أدرك يعقوب بما كان يتمتع به من دهاء وفطنة وذكاء مفرط ولا شيء يحول بينه وبين الوزارة سوى أن يترك اليهودية ويعتنق الإسلام، فأحضر سرًّا من علمه شرائع الإسلام. وفي شعبان سنة 356ه/967م دخل إلى الجامع العتيق بالفسطاط، وصلى صلاة الصبح، مما أثار قلق الوزير جعفر بن الفرات؛ خوفًا على منصبه في حال إسلام يعقوب، ولما تُوفِّيَ كافور الإخشيدي حاكم مصر في العام التالي، ألقى ابن الفرات بيعقوب بن كلس في السجن، ولكنه استطاع الهرب إلى المهدية، وكان المعز لدين الله يستعد لدخول مصر، فانضم إلى رجاله، وأمده بكل ما طلبه عن الحالة في مصر من انهيار اقتصادي وأوبئة وانخفاض النيل وضعف الحكومة". وذكر المؤرخ "ابن تغرى بردى" أن يعقوب بن كلس كان من أهم العوامل التي جعلت المعز لدين الله الفاطمي يعجل بفتح مصر، فيما شكك المؤرخ "ابن القلانسى" في إسلام يعقوب، واتهمه بأنه كان دائم الاجتماع بيهود المهدية، وقربهم منه. وأشار إلى أن "يعقوب" جاء إلى مصر بعد رحيل المعز لدين الله بثلاث سنين ونصف، وعظم شأنه، وعيَّنه الخليفة العزيز بالله وزيرًا في شهر المحرم سنة 367ه، ومنحه لقب الوزير الأجل، وتولى تدبير أمور مصر والشام والحجاز وبلاد المغرب، وتوفي في ذي الحجة سنة 380 ه/990م.