جاء إسقاط المقاتلة الروسية سوخوي "أس يو-24″ قرب الحدود التركية في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للقضاء على "داعش"، وتتابع فيه الاجتماعات المنسقة لحل الأزمة السورية، وتُبذل فيه الجهود الحثيثة للم شمل المعارضة، إلا أن الحادث الأخير وتداعياته يضع مستقبل التسوية السياسية للأزمة السورية في مفترق طرق، حيث أنه جاء ليخلط أوراق اللعبة السياسية في سوريا، ويجعل مصير اجتماعات "فيينا" مجهولًا، فيبدو أن أحد الأطراف الدولية لا يريد للأزمة السورية أن تنتهي، فسعى جاهدًا إلى إختلاق المشكلات والمواجهات الدولية بين الدول الكبري لثنيها عن هدفها العسكري الأساسي المتمثل في القضاء على "داعش"، وهدفها السياسي الرامي إلى حل الأزمة السورية في أسرع وقت. حاولت روسيا منذ بداية الأزمة السورية أو بالتحديد منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا، تجنب إثاره المشاكل والأزمات مع تركيا، فبالرغم من اختلاف الطرفين حول طرق حل الأزمة السورية، ودعم تركيا للجماعات المسلحة هناك في مقابل دعم روسيا لنظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، إلا أن الخلافات كانت تتوقف عند تبادل الاتهامات والانتقادات، لكن الخطوة الجريئة والغير محسوبة التي أقدمت عليها تركيا من خلال إسقاطها للمقاتلة الروسية، جعلت الأمور تذهب إلى ما هو أبعد بكثير من التراشق الكلامي، بداية من وصف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الحادث بأنه "طعنة في الظهر لمن يرعى إلارهاب" وتشبيهه للحادث بأنه "إعلان حرب"، وصولًا إلى موافقة الرئيس الروسي على نشر مقاتلات "أس – 400″ الروسية في قاعدة حميميم السورية، إضافة إلى إرسال الطرّاد "موسكو" المجهّز بمنظومة دفاع صاروخية "فورت" ليرابط بالقرب من اللاذقية في إطار حشد السفن الحربية الروسية، مرورًا بتهديد الكرملين بأن "الرد الروسي قادم لا محال". كل هذه التطورات والتداعيات السريعة التي أعقبت الخطوة التركية المفاجئة، من المؤكد أنها سوف تلقي بظلالها على مستقبل عملية التسوية السورية التي تمسك روسيا بخيوطها وتُشرك معها بعض القوى الدولية الفاعله في الأزمة، لتشكل نقطة تحول فاصلة في مسار الأزمة السورية، فمن المؤكد أن الغضب الروسي والارتباك التركي لن يجدا مكانا لإفراغهم سوى الميدان السوري، لتشكل سوريا بذلك ميدان المعركة بين الطرفين. يستبعد الكثير من المتابعين فرضية رد روسيا على الخطوة التركية من خلال مواجهه عسكرية بين البلدين، خاصة بعد حسم وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" لطبيعة الرد الروسي على الحادث بأنه يستبعد المواجهة العسكرية، وهو ما يؤكد استخدام روسيا للفرضية الثانية للرد على الهجوم التركي وهو التسوية السياسية للأزمة السورية، التي يعتقد الكثيرون أنها ستتعطل أو على الأقل ستشهد العديد من التعقيدات والتباين والتعنت في وجهات النظر في أفضل الظروف، فضلًا عن المزايدات الروسية التي يتوقع أنها ستنشط في المفاوضات القادمة التي ستجري في فيينا، فيما يرى آخرون أن نوايا روسيا لتصفية حساباتها مع الجانب التركي سيترك أثره على موقفهم، وهو ما قد يجعل تركيا تقبل بالتسوية لم يكن الأتراك ليقبلوا بها من قبل، كما ستكون أمريكا أضعف وأكثر ارتباكًا من أي وقت مضى، لكن ستبقى السعودية هي الطرف الأكثر التزامًا بموقف خروج "الأسد" من أي تسوية مستقبلية في سوريا. تدرك الأطراف الدولية جيدًا أن الدخول في حرب مع روسيا أيًا كانت أجوائها باردة أو ساخنه لن يفيدها ولن يصب في مصلحة أيا من الأطراف، فالولايات المتحدةالأمريكية على سبيل المثال باتت تتفهم جيدًا أن روسيا هي الطرف الأقوى في الساحة السورية سواء العسكرية أو السياسية، لاسيما بعد أن انضمت لها فرنسا عقب اتخاذها قرار بزيادة نشاطها في التحالف الدولي الأمريكي، إلا أنها في الحقيقة باتت خاضعه اسمًا فقط للتحالف الذي تقوده أمريكا لكنها أقرب في التنسيق إلى الجانب الروسي. المعطيات السابقة جعلت النبرة الدولية تعود إلى دعوات التهدئة من قبل الطرفين الروسي والتركي، حيث حاول الرئيس التركي تبرير الهجوم على الطائرة الروسية من خلال القول بأن سلاح الجو التركي لم يكن يعرف تبعيتها لروسيا، وادعى بأنها اخترقت الأجواء التركية لمدة 17 ثانية وأن تركيا حذرتها عدة مرات قبل إسقاطها، وأن تركيا لا تسعى للتصعيد مع روسيا نهائيًا.