وزير التعليم ينعي وكيله الدائم بالوزارة.. ويؤكد: رحل بعد مسيرة عطاء زاخرة    أسعار الذهب اليوم الأربعاء بالتعاملات المسائية    إعلام إسرائيلي: طواقم الإطفاء لإخماد حرائق اندلعت في عدة مستوطنات    ريال مدريد يسقط أمام ليل في دوري الأبطال    سقوط 4 عناصر شديدى الخطورة في قبضة مباحث طوخ    تعرف على فعاليات اليوم الثاني «القاهرة الدولي للمونودراما»    هَنو: وزارة الثقافة ستظل داعمة لكل الفنون لصون التراث وهويتنا الوطنية.. صور    رئيس جامعة المنوفية يصدر قرارا بندب الدكتور حسام الفل عميدا لمعهد الأورام    جامعة دمياط تستقبل طلابها الجدد باحتفالية في كلية التربية النوعية    الشرقية يضم حارس الزمالك السابق    الصين الشيوعية تحتفل بعيدها ال75    «الحوار الوطنى» يعقد جلسة عاجلة السبت لتعزيز الأمن القومى    البابا تواضروس: نصر أكتوبر صفحة بيضاء في تاريخ العسكرية المصرية ونشكر الله على سلام بلادنا    رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد الجامعات المتوسطية UNIMED    «برغم القانون» الحلقة ال13.. القبض على إيمان العاصي    التعليم المستمر بجامعة النيل تحتفل بتخرج دفعة من برامج الأنشطة الصيفية للشباب    نائب محافظ القليوبية تشن حملة إزالة إشغالات أعلى الطريق الدائري    تجديد حبس المتهمين فى فبركة سحر مؤمن زكريا    إصابه 4 أشخاص جراء انقلاب سيارة في المنوفية    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    تفاصيل إنشاء أول منصة متكاملة لبيع وشراء السيارات إلكترونيًا    خبر في الجول - إيقاف الإسماعيلي عن القيد حتى نهاية الموسم    الأحد.. حفل غنائي للمركز القومي للمسرح احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    أمين الفتوى: مفهوم الاحتياج نسبي وهذا هو الفرق بين الحرص والبخل    العراق يستقبل 5 آلاف لبناني خلال 10 أيام    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    واشنطن تدعم دور المغرب في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    إسعاد يونس تكشف موعد اعتزالها التمثيل |فيديو    للمرة الأولى ب«الصحفيين».. العرض العام الأول للفيلم الوثائقي الدرامي «ممر الألم»    في مؤتمر صحفي.. استادات تعلن التوسع في استخدام أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي في قطاع الرياضة    ظهرت جنوب تشيلي وفي البرازيل.. مشاهد ترصد الكسوف الحلقي للشمس    الإفتاء: الجمعة أول شهر ربيع الآخر لعام 1446ه‍    سجل هاتريك.. ليفربول يبحث عن بديل محمد صلاح في الدوري الألماني    «البحوث الإسلامية»: 35 قافلة نفذت 25 ألف لقاء دعويا    معارض الحضارة المصرية في الخارج تجذب 625 ألف زائر    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    مصطفى الفقي: علاقة مصر مع إيران وإسرائيل وحزب الله تحتاج مراجعة    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نستطيع الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    أحمد محمود: التصريحات المستفزة عن الزمالك جعلتنا نؤدي 200% ضد الأهلي    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    200 مليون جنيه لحل أزمة زيزو.. وجوميز يرفض مصطفى أشرف    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    أستاذ جامعي: شمولية «حياة كريمة» سببا في توفير مناخ جاذب للاستثمار    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقات الدراجات النارية بالمنيا    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    خبير عسكري: إسرائيل دخلت حربًا شاملة ولن يوقفها أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دلائل عبد القاهر
نشر في البديل يوم 11 - 11 - 2015

مثل كتاب دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني (400 -471 ه) نقلة نوعية كبرى في طرائق فهم النص القرآني، مما كان له أكبر الأثر على مسيرة التفسير، وفتح أبوابا واسعة لإدراك آثار التركيب البلاغي على المعاني، من خلال أمثلة مختارة، من مواضع مختلقة من القرآن.
أرجع عبد القاهر إعجاز القرآن إلى حسن النظم، وجمال التركيب، ورفض أن يكون الإعجاز مبنيا على "اللفظ"، فليس للفظ فضل على لفظ، وليست كلمة أفصح من أخرى، بل إنه رفض أن يكون الإعجاز في المعاني، وإنما يأتي الإعجاز في الطريقة التي يعبر بها القرآن عن المعنى المراد، من خلال تركيب العبارات، وفق "نظم" مخصوص، يختل المعنى باختلاله.
وفي تحقيقه للكتاب، رأى العلامة محمود شاكر، أن الجرجاني متدفق بأفكاره في شيء من العجلة والتوالي، وأرجع شاكر ذلك إلى أن صاحب الدلائل أراد أن يرد على المعتزلي الكبير القاضي أبي الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، الفقيه الشافعي المتكلم، الذي رأى أن جزالة الألفاظ لها اعتبارها، وأن الإعجاز يأتي بألفاظ دون أخرى مع الضم على طريقة مخصوصة.
ورجح شاكر أن يكون السر في إشكاليات تبويب الكتاب راجعا إلى عجلة عبد القاهر، ورغبته في الرد على طائفة من المعتزلة من أهل العلم في بلدته جرجان، ممن كان لهم شغف ولجاجة وشغب وجدال ومناظرة في مسألة إعجاز القرآن، واعتمدوا في حججهم على أقوال القاضي عبد الجبار.
أما مفتي تونس، محمد الفاضل بن عاشور، فيقول عن الكتاب وصاحبه: لم يكد لواء النبوغ في تقرير نكت البلاغة القرآنية يعقد على مجالس الشريف المرتضى، المتوفى سنة 436، حتى أنجم في أفق أهل السنة، فتى شافعي أشعري من عباقرة علماء العربية، هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، تمرس بكتب أبي علي الفارسي، وألف كتاب العوامل المئة في النحو، ثم التفت إلى ما وراء النحو من أسرار العربية المتجلية في تأليف الجمل على اعتبارات خصوصية، تتفاوت في الحسن والقبول بحسب ما تزيد وتنقص في المعنى.
لقد أراد عبد القاهر أن يضع ميزانا ومعيارا نقيس به مقدار ما في الكلام من مزية وبلاغة، حتى لا نرجع في أحكامنا البيانية إلى ذوق شخصي، أو تيسير لفظي، وقد بين بنفسه منهجه فقال: "لم أزل منذ خدمت العلم أنظر في ما قاله العلماء في معنى الفصاحة والبلاغة، والبيان والبراعة، وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيحاء، والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على مكان الخبئ ليطلب، وموضوع الدفين ليبحث عنه فيخرج… وجملة ما أردت أن أبينه لك أنه لابد لكل كلام تستحسنه، ولفظ تستجديه، من أن يكون لاستحسانك ذلك جهة معلومة، وعلة معقولة، وأن يكون لنا إلى العبارة عن ذلك سبيل، وعلى صحة ما ادعيناه من ذلك دليل".
ساق الجرجاني حشدا من الأمثلة البيانية، التي توضح الفروق بين دلالات التراكيب، وتظهر ما للقرآن من مزية على سائر كلام العرب، سواء بالتقديم والتأخير، أو الكناية والاستعارة، أو النفي والحذف، أو التعريف والتنكير، أو الفصل والوصل، أو في اللفظ الواحد يأتي مقبولا ومكروها… وغيرها من أبواب الكتاب.
وأكتفي من الأمثلة الدالة الباهرة التي ذكرها الجرجاني لبيان عظمة التقديم والتأخير، ما ساقه عن قوله تعالى في سورة الأنعام، "وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم"، حيث قال: ليس بخاف أن لتقديم الشركاء حسنا وروعة ومأخذا من القلوب، أنت لا تجد شيئا منه إن أنت أخرت فقلت: «وجعلوا الجن شركاء لله» وأنك ترى حالك حال من نقل عن الصورة المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشيء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل، ولا تصير النفس به إلى حاصل، والسبب في أن كان ذلك كذلك، هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنى جليلا لا سبيل إليه مع التأخير.
وبيانه أنا وإن كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء وعبدوهم مع الله تعالى، وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم، فإن تقديم "الشركاء" يفيد هذا المعنى، ويفيد معه معنى آخر وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون لله شريك، لا من الجن ولا غير الجن.
وإذا أخر فقيل: "جعلوا الجن شركاء لله" لم يفد ذلك، ولم يكن فيه شيء أكثر من الإخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع الله تعالى، فأما إنكار أن يعبد مع الله غيره، وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن فلا يكون في اللفظ مع تأخير الشركاء دليل عليه… وإذا كان التقدير في "شركاء" أنه مفعول أول و"لله" في موضع المفعول الثاني وقع الإنكار على كون شركاء لله تعالى على الإطلاق من غير اختصاص شيء دون شيء، وحصل من ذلك أن اتخاذ الشريك من غير الجن، قد دخل في الإنكار دخول اتخاذه من الجن، لأن الصفة إذا ذكرت مجردة غير مجراة على شيء، كان الذي تعلق بها من النفي عاما في كل ما يجوز أن تكون له تلك الصفة…
ويواصل الجرجاني: فانظر الآن إلى شرف ما حصل من المعنى بأن قدم "الشركاء" واعتبره، فإنه ينبهك لكثير من الأمور، ويدلك على عظم شأن "النظم" وتعلم به كيف يكون الإيجاز به وما صورته؟ وكيف يزاد في المعنى من غير أن يزاد في اللفظ، إذ قد ترى أن ليس إلا تقديم وتأخير، وأنه قد حصل لك بذلك من زيادة المعنى، ما إن حاولته مع تركه لم يحصل لك واحتجت إلى أن تستأنف له كلاما، نحو أن تقول: "وجعلوا الجن شركاء لله، وما ينبغي أن يكون لله شريك لا من الجن ولا من غيرهم".
إن كتاب دلائل الإعجاز كنز لا ينفد من الفن البياني والعلم البلاغي، عرف قدره كبار الأئمة والعلماء، وسار على دربه طلاب الحقيقة اللغوية في أجلى صورها وأقوى بيانها، ولعل من المفيد هنا أن ننقل ما قاله الشيخ رشيد رضا في تقديمه لمطبوعة صدرت من الكتاب عام 1321ه: "لما هاجرت إلى مصر لإنشاء مجلة المنار الإسلامي في سنة 1315، وجدت الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، رئيس جمعية إحياء العلوم العربية ومفتي الديار المصرية، مشتغلا بتصحيح كتاب دلائل الإعجاز، وقد استحضر نسخة من المدينة المنورة، ومن بغداد، ليقابلها على النسخة التي عنده، وأزيد الآن أنه عني بتصحيحه أتم عناية، وأشرك معه فيها إمام اللغة وآدابها في هذا العصر الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي، وناهيك بكتاب اجتمع على تصحيح أصله علامتا المعقول والمنقول".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.