رشيد.. مدينة ساحرة وتضرب بجذورها فى تاريخ عريق سطرت خلاله بطولات عديدة، لعل أشهرها مقاومة حملة فريرز، لكن قتلها الإهمال وتخبط القرارات وإهدار المال العام، فتعانى اليوم انهيارا كاملا فى شبكات الصرف الصحى، كشف عنه فصل الشتاء، فتحولت شوارعها إلى بحيرات من المياه، حتى دخلت المياه إلى منازل المواطنين وأغرقت المدارس. المدينة التى غرقت تماما مع أول موجه لفصل الشتاء، خصص لها 375 مليون جنيه فى عام 2010 لتطوير شبكه الصرف الصحى بها، ضمن مشروع عملاق لتطوير المدينة السياحية وتحويلها إلى متحف مفتوح، لكن آمال شعب رشيد تبددت مع مرور الأيام، وصار المشروع العملاق وهما وسرابا؛ بعد أن أسند مشروع تطوير شبكات الصرف الصحى إلى إحدى أكبر شركات المقاولات التى أسنتدته بدورها إلى شركات صغرى ومقاولين من الباطن، فانتهى المشروع لأسوأ مما كان وانفجرت من جديد شبكات الصرف الصحى فى شوارع المدينة وأغرقت آثاره فى بحيرات دائمة من مياه الصرف الصحى. يقول أحمد السمرى، أحد الأهالي، إن منطقة الكسارة برشيد أصحبت منطقة موبوءة وخارج اهتمام المسؤولين تماما، بعد أن غرقت منازلها فى مياه الصرف الصحى والأمطار. ومن جانبه، تساءل مصطفى كوتة، من أهالي رشيد، عن الأموال والرسوم الباهظة التى يتم تحصيلها من المواطن لإصلاح البنية التحتية للمدينة، صارخا: "احنا اتخنقنا من الفساد المستشرى فى المحليات". ويرى الهيثم تيسير، أمين عام نقابة المحامين وأحد أبناء رشيد، أن المدينة التاريخية تعانى منذ سنوات من الإهمال، خاصة مع استشراء الفساد الإدارى فى عهد مبارك، الذى دفعت رشيد ثمنا باهظا خلاله، لافتا إلى توقف مشروع تطوير المدينة رغم الاعتمادات المالية الهائلة التى خصصت له، كاعتماد الملايين لشبكة الصرف الصحى، لكن تكالب رؤوس الفساد على نهب مقدرات الشعب المخصصة للمدينة، أدى فى النهاية إلى توقف المشروع تماما، وترك المواطن يسير فى برك الصرف الصحى وبحيرات المياه، مستنكرا: "كيف تطالب الدولة بتشجيع السياحة وهى تغتال واحدة من أهم المدن السياحية بالإهمال والتجاهل؟". ويؤكد مصطفى فهمى، أحد الأهالى، أن المأساة التى يعيشها أهالى رشيد لا تقل عن مأساة مواطنى الإسكندرية، فبمجرد سقوط الأمطار غرقت المدينة؛ بسبب عدم صلاحية بلاعات الصرف الصحى المسدودة، و سط ثبات تام من مسؤولى الوحدة المحليه الذين تركوا الأهالى يتعاملون مع الموقف وحدهم، مضيفا أن المواطنين فى بعض المناطق اضطروا لاستخدام الأوانى المنزلية لنقل مياه المطر التى تراكمت فى الشوارع، كما عجز الطلاب عن دخول مدارسهم تماما. ويطالب إكرامى بشير، أحد أبناء رشيد، بسرعة إصلاح عيوب شبكات الصرف ومحطات الرفع وبالوعات التصريف، موضحا أن الأمطار حاصرت الميادين والشوارع حتى وصلت إلى الكبارى لعدم وجود صرف، وفشلت كل محاولات الأهالى بسبب التجمعات الكثيرة من الأمطار التى وقفت أجهزة المحليات عاجزة أمامها. كما أدت الأمطار إلى كارثة طبيعية للمزارعين فى رشيد، حيث أتلفت المحاصيل، خاصة البلح الذى يمثل المصدر الرئيسى لغالبية الفلاحين، وطالب عرفة سيد، فلاح، بضرورة أن تصرف الدولة ووزارة الزراعة تعويضا للفلاحين عن الكارثة التى لحقت بهم، مؤكدا أن كل الأراضى برشيد غرقت تماما، وسقطت المئات من أشجار النخيل فى موسم البلح، مما يهدد الفلاحين بالسجن نتيجة ديون متراكمة طوال العام ويتم سدادها من بيع المحاصيل. وعلى الجانب الآخر، قال إبراهيم الشيمى، رئيس مدينة رشيد، إنه دفع بعدد من السيارات لشفط المياه من الشوارع والميادين، وتم تعزيز الخدمات المرورية لتسيير حركة مرور السيارات ومنع تكدسها، مؤكدا أن المحافظ وضع خطة عاجلة لاستقبال موسم الشتاء حتى لاتغرق الشوارع وتتعطل المصالح، منها إعادة رصف بعض الشوارع والحوارى داخل المدينة، على أن يتم الرصف بطريقة فنية تسمح بتصريف مياه الأمطار، إضافة لرفع وشفط وإزالة جميع الأتربة من الشوارع قبل هجوم فصل الشتاء وتوفير عربات الكسح اللازمة. ومن جهته، قال الدكتور محمد سلطان، محافظ البحيرة، إنه تم التنسيق مع وزير التخطيط لإنشاء صندوق لتنمية رشيد، كما تم الاتفاق على تفعيل اللجنة الوزارية التي شكلت في هذا الشأن، بالإضافة إلى رفع مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء للموافقة على دعم أعمال تطوير المدينة، باعتمادات إضافية 620 مليون جنيه للإسراع في استكمال وإنهاء أعمال التطوير . ولفت إلى أن أعمال تطوير المدينة تشمل ميناء رشيد ومجمع المواقف والمرحلة الأولى من الكورنيش والأتوبيس النهري والمراسي النيلية وسوقي السمك والخضار ومركز الشرطة، بالإضافة إلى استعراض إمكانية تطوير ميادين الامصيلى والحرية وعرابي والمناطق التراثية، وتحويل أسلاك الكهرباء الهوائية إلى كابلات أرضية بالشوارع التراثية، ودهان واجهات منازل المدينة بلون موحد.