ظهرت في الآونة الأخيرة مصطلحات جديدة، ومفاهيم جديدة، لم يكن متعارفاً عليها من ذي قبل، دونت بين أسطر التاريخ المعاصر حركاتها وسكناتها، ورقيها وتدنيها، ورسمت ملامح قسماتها التي تخفيها خلف القناع، والتي تتباين ما بين الملائكية والشيطانية، ومن بين هذه المصطلحات المستحدثة، مصطلح معاداة السامية، الذي امتزج فيه التاريخ مجدداً بربقة السياسة. ومصطلح معادة السامية من أكثر المصطلحات المستحدثة التي اختلت فيه المفاهيم، وزيفت فيه الحقائق، وشوه فيه وجه التاريخ، ولبس فيه الباطل ثوب الحق، وزُين للأمم والدول والشعوب وسط زخم هائل من الأباطيل والأكاذيب والافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فقد ظهر هذا المصطلح في نهاية القرن التاسع عشر على يد الصحفي الألماني فيلهم مار، الذي اختلق هذا المصطلح للرصد والتفرقة بين الحركات المناهضة والمعادية لليهود في ألمانيا آنذاك. وفي تلك الآونة تم إنشاء وتكوين جمعية عرفت بجمعية معاداة السامية عام 1879، تمكنت من الحصول على ما يربو على مائتي وخمسين ألف توقيع، تندد وتطالب بطرد اليهود من الخدمات العامة والتعليم والجيش، وإقصائهم جميعا من كافة ميادين الحياة، لكونهم كيانا غريبا عن الدولة، استخدم ضد الشعب الألماني مختلف أساليب وسلوكيات الغدر والتآمر المترسخة في أعماقهم، والتي تسببت في حدوث كل المشكلات التي عاني منها الشعب الألماني، علاوة على إظهارهم الوطنية الزائفة التي ثارت حولها الشكوك والريب، إلى جانب النظرة الألمانية لليهود، لانتمائهم لعرق أدنى من العرق الآري الذي ينتمي إليه الشعب الألماني. كل هذه الأسباب وغيرها أثارت حفيظة الألمان وأججت في أعماقهم مشاعر الحقد والبغض والضغينة تجاه اليهود، مما دفعهم إلى التضامن للإلقاء بهم خارج حدود البلاد. وكانت سياسة الحزب النازي بزعامة أدولف هتلر، قائمة على إنشاء مجال حيوي لا يتواجد اليهود بين ميادينه وساحاته، ولهذا اضطهد الحزب النازي اليهود، وتم حرمانهم من حقوقهم المدنية، ومنعهم من مزاولة التجارة أو أية حرفة داخل أروقة المجتمع، وتم مصادرة أملاكهم، واستخدموا ضدهم الأعمال القسرية، لإجبارهم على الرحيل والهجرة، وبلغ اضطهاد الحزب النازي لليهود ذروته، وعلى إثره اقترح هتلر الحل النهائي للتخلص من اليهود عن طريق إبادة الجنس اليهودي برمته. إذا، فمصطلح معاداة السامية يشير في الأساس إلى كراهية اليهود ومعاداتهم ليس في ألمانيا فحسب، بل في كل الدول الأوروبية آنذاك، لأسباب دينية، تمثلت في موقف اليهود من نبي الله عيسى عليه السلام، بسبب رفضهم اتباع المسيح ومحاربتهم لدعوته ورسالاته، واعتقادهم بأن اليهود هم من قتلوا المسيح، ولأسباب اقتصادية، تمثلت في بسط هيمنتهم على اقتصاد الدول والبلدان التي عاشوا فيها، عن طريق تملك ما لا حصر له من البنوك والمصارف، وامتلاك السطوة المالية الناتجة عن المعاملات الربوية التي فتحت لهم الأبواب مشرعة لبسط هيمنتهم وسيطرتهم على اقتصاد العديد من البلدان الأوروبية، ولأسباب اجتماعية، تكمن في عدم رغبة اليهود في الاندماج مع شعوب الدول الأوروبية، لاعتقادهم أنهم شعب الله المختار، أنقى وأطهر شعوب الأرض، الذي يجب عليه أن ينآى عن الاختلاط بغيره من أجناس وشعوب الأرض، حتى لا يدنس، علاوة على سلوكياتهم الهدامة في تلك المجتمعات، كانخراطهم في المهن الساقطة التي تنشر الفساد والرذيلة، كالدعارة وبيع الخمور وغيرها. ونتيجة لهذه الأسباب جاء رد الفعل المضاد من الدول على مفاسدهم ومكائدهم، وتجسد رد الفعل في انطلاق شرار معاداة السامية من ألمانيا إلى بقية الدول الأوروبية، وتكونت جمعيات معادية لليهود في العديد من الدول، كروسيا وفرنسا والنمسا والمجر وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدةالأمريكية. ولكن كيف انقلبت الموازين، وأصبح النفوذ اليهودي الآن متغلغلاً في مراكز صنع القرار العالمي؟، وكيف تحول الاضطهاد الأوروبي لليهود إلى النقيض، وأصبح التأييد والدعم الأوروبي والأمريكي الأعمى لإسرائيل واقعا لا يمكن إنكاره أو تغييره؟، وما هي السامية؟، وهل اليهود حقاً هم الجنس السامي؟، نجيب عن ذلك في المقال القادم إن شاء الله تعالى.