رغم ضجيج التصريحات وتباين المواقف المؤيدة والمعارضة للتدخل الروسي في سوريا، إلا أن الدب الروسي لا يزال يشق طريقه في سماء سوريا غير مكترس بالتنديدات والمخططات والمؤامرات التي تحاك لإفشل مهمته، وذلك في تحدي روسي واضح لنفوذ ومصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في الشرق الأوسط، وسط أجواء تشير إلى قرب إنتهاء الهيمنة الأمريكية على بعض دول الشرق الأوسط. لم يكد التحالف الأمريكي يمضي عامه الأول في سوريا، ليعلن الدب الروسي التدخل العسكري المباشر في سوريا دعمًا لنظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، إعلان الروس لم يكن تهديدًا فارغًا من مضمونة مثل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والخليجية الكثيرة التي تتردد كل يوم، ليذهل بذلك الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" العالم، وخاصة الدول المعادية لسوريا والتي كانت تسعى دائمًا لتأجيج الصراع هناك. إدانه واستنكار وارتباك قابله تأييد وترحيب ودعم، بريطانيا وفرنسا وألمانيا كانوا على رأس القائمة، فمرة يدعم المسئولون التدخل الروسي في سوريا بقولهم إن "الحرب لن تنتهِ من دون مساعدة روسية"، ومرة أخرى يصدرون بيانًا لوقف الغارات الروسية. القلق من الغارات الروسية طال أيضًا تركيا والأردن وامتد إلى دول الخليج، إلا أنه لم يطغى على الموقف الإسرائيلي الذي بدا أكثر ارتباكًا من أي وقت آخر أو دولة أخرى، حيث اختار وزير الأمن الصهيوني "موشيه يعالون" اتباع لهجة التهديد، ب"ألا تختبر روسيا تل أبيب"، محذرًا من أن رد إسرائيل سيكون قاسيًا إذا جرى تجاوز الخط الأحمر في سوريا. أمريكا كانت في موقف لا تُحسد عليه، فلم يستوعب المسئولون الأمريكيون حتى الآن ما تفعله روسيا في سوريا، ولم تدرك الإدارة الأمريكية أن روسيا سحبت البساط بكل سهولة من تحت أقدام أمريكا، وقضت على الهيمنة الأمريكية هناك وأعلنت نفسها قوة عظمى جديدة ودولة قوية صديقة لدول الشرق الأوسط، ورفعت "الكارت الأحمر" للدور الأمريكي بالمنطقة، حيث بدا المسئولون الأمريكيون مرتبكون في التعاطي مع الغارات الروسية، فتارة يقولوا إن الغارات تنسجم مع تفاهم "بوتين" و"أوباما" بالقضاء على داعش، وتارة أخرى يتهمون روسيا بعدم التنسيق المسبق معهم عسكريًا، وقصف المدنيين. في المقابل برز تأييد مصر للغارات الجوية الروسية، عندما قال وزير الخارجية "سامح شكري" إن "دخول روسيا بما لديها من إمكانات وقدرات سيؤثر في محاصرة الإرهاب في سوريا والقضاء عليه"، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" الذي رحب بالتدخل الروسي مؤكدًا أن "لا مشكلة لدى الحكومة العراقية بالتحالف مع أي جهد لمحاربة الإرهاب سواء مع روسيا أو مع غيرها من دون النظر إلى استياء أحد ما دام الهدف هو مصلحة العراق". في ظل المواقف المتباينة لاتزال جامعة الدول العربية غائبة عن المشهد، ملتزمة الصمت التام حيال ما يحدث، فلم تصدر أي تعليق أو استنكار أو حتى تأييد، فعلى ما يبدو أن الجامعة العربية كعادتها تلتزم الصمت والهدوء وتنتظر إلى أن تستقر الأوضاع، ويتضح الموقف الأمريكي من الغارات الروسية لتسير على نهجه. راهنت الولاياتالمتحدةالأمريكية على المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية، معتقدة بأن تدريب المسلحين سوف يخلق التوازن إقليميًا في المنطقة أمام الدعم الروسي لنظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، لكنها خسرت الرهان عندما وجدت أن العناصر المسلحة التي يتم تدريبها وتزويدها بالأسلحة والعتاد غير قادرة على تحقيق نجاح أو تقدم ميداني على أرض المعركة، وبعد مرور عامين على التصريحات الأمريكية التي أعلنت فيها نيتها تسليح وتدريب ما اسمتهم "المعارضة المعتدلة"، وبعد إنفاق وزارة الدفاع الأمريكية ما يقرب من 42 مليون دولار خلال شهرين فقط لتدريب نحو 60 مقاتلاً، أقرت أخيرًا الإدارة الأمريكية بفشلها، مؤكدة أن "برنامج البنتاجون لتدريب المعارضة فشل فشلًا ذريعًا". "الفشل الذريع" لم يمنع الإدارة الأمريكية من التعنت في دعمها للتنظيمات الإرهابية، حيث تفكر الولاياتالمتحدة في تقديم دعم لآلاف العناصر من مقاتلي المعارضة بأسلحة وغارات جوية لمساعدتهم على ما تقول الإدارة الأمريكية، في طرد "داعش" من شريط مساحته 90 كيلومتراً من الحدود الشمالية السورية، ويمتد شرقًا صوب مدينة جرابلس السورية الواقعة على بعد 130 كيلومترًا شمال غرب الرقة التي أعلنها "داعش" عاصمة له. في المقابل راهنت روسيا على الجيش السوري ، حيث في البداية كانت مجرد تصريحات داعمة لجهود الجيش السوري والنظام في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، لتتجدد وتصبح دعم مادي ولوجستي بالأسلحة والعتاد العسكري، ليتطور بعد ذلك ويصبح تدخلا عسكريا مباشرا في الأراضي السورية، بعدما وصل الدعم الخليجي للجماعات المسلحة التكفيرية إلى مستويات غير مسبوقة، دون تحرك جدي من الجانب الامريكي لمنع هذا العمل، فضلا عن هذا كانت موسكو تراقب تحركات المخابرات التركية في دول أسيا الوسطى القريبة من روسيا، وتعلم باستجلاب تركيا لآلاف المسلحين خلال السنة الماضية للقتال في سوريا، الأمر الذي عجل بالتدخل الروسي في سوريا هو علمها بأمر الأسلحة الأمريكية التي كان يتم إلقائها من طيران التحالف الأمريكي لتنظيم "داعش". مساندة روسيالسوريا سوف تشكل نوعا من أنواع ردع للمشروع الغربي الأمريكي، الهادف إلى تفتيت المنطقة وإغراقها في حروب أهلية وإعادة رسم جغرافيتها بما يتلائم مع المصالح الأمريكية في المنطقة، ولا شك أن الوجود الروسي سوف يشكل سدًا كبيرًا في مواجهة الهيمنة على المنطقة من قبل الاستعمار الغربي.