ظلت حرب استرداد الكرامة، حدثًا ملهماًا لكبار الكتاب، خاصةً الروائيين وكتاب القصص القصيرة، بالحكي والتأريخ، وقصص البطولة التي طالما انتشرت أعقاب أكتوبر 73، وقدموا أعمالًا تحاكي ما تم إنتاجه من أعمال على مستوى العالم تخص الحروب والانتصارات كذلك، مثل الحرب والسلام لتولستوي، ووداعًا للسلاح لهمنجواي، والدون الهادئ لشولوخوف، والأمل لمارلو، وأفول القمر لشتاينبك، وغيرها. تتجول «البديل» في ذكرى انتصار حرب أكتوبر، عددًا من كبار الأدباء، الذين تناولوا حرب العاشر من رمضان، بأعمال روائية وقصصية في تلك الحقبة التاريخية، في إبراز لتجربتهم هذه.. توفيق الحكيم وجد في العبور تأكيدا لأصالة شعبنا وعبورا للهزيمة التي كانت بداخل كل منا بعد نكسة يونيو1967 فكتب يقول: "عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك، فإن الأهم هي الوثبة، وهي المعنى. أن مصر هي دائما مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام. وإذا هجعت قليلا فإن لها هبه ولها زمجرة، ثم قيام، وقد هبت مصر قليلا وزمجرت، ليدرك العالم ما تستطيع أن تفعل في لحظة من اللحظات، فلا ينخدع أحد في هدوئها وسكونها، وكانت يدها التي بدرت منها حركة اليقظة هي جيشها المقدام بصيحة رئيسها الوطني بالقيام. سوف تذكر مصر في تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر. نعم عبرنا الهزيمة في الروح. وشعرنا أنه قد حدث ويحدث في داخلنا شئ، لقد كان جو الهزيمة جو سجن واختناق والآن نحن نتنفس هواء نقيا، هواء الحرية والانطلاق، وهذا هو المعني الحقيقي للانتصار". نجيب محفوظ انفعل تماما بالمعركة الكبرى التي ردت الروح إلى الجسم الخامد الساكن فكتب يقول: "ردت الروح بعد معاناة طعم الموت ست سنوات رأيت المصري خلالها يسير في الأسواق مرتديا قناع الذل، يثرثر ولا يتكلم، يقطب بلا كبرياء، يضحك بلا سرورن يتعامل مع المكان وهو غريب، ويساير الزمان بلا مستقبل، من حوله عرب متقاربون وقلوبهم شتى، وأصدقاء من العالم يصطفون عليه بإشفاق لا يخلو من زراية، وعدونا يعربد بأسرنا في السماء، يتحدانا علي الأرض، ضربة في سوريا، لطمة في لبنان، وأسأل النفس الحزينة ما العمل؟ ما المصير؟ القتال منا يقال محال والاستسلام محال، والاستنزاف لا يتوقف، ثم ردت الروح بعد معاناة الموت ست سنوات، روح مصر تنطلق بلا توقع، تتعملق وتحلق بلا مقدمات، تتجسد في الجنود، بعد أن تجسدت في قلب ابن من أبر أبنائها تقمص في لحظة من الزمان عصارة أرواح الشهداء العظام من زعمائها وأتخذ قراره ووجه ضربته فإلي الأمام.. ومهما تكن العواقب فقد ردت إلينا الروح والعصر والمستقبل". حنا مينا الرواية الأشهر التي تناولت حرب أكتوبر "المرصد"، للأديب السوري حنا مينا، الذي وصف بها تفصيليا كيف تحولت هزيمة 67 من نكسة تمضغ القلوب والعقول إلى شمس أشرقت في أكتوبر المجيد وانقشعت غمامة الانكسار، فتضمنت الرواية وصفًا تسجيليًا لزحف الجنود لتحرير سيناء، وتحطيم خط بارليف، وكيف سحبت إسرائيل دباباتها ومدرعاتها من الجبهة الجنوبية وزجت بها في الشمال في مواجهة سوريا، التي اجتازت قواتها الأزمة ونالت من الخندق الإسرائيلى بما يشبه المعجزة، فحررت مرصد جبل الشيخ ، ووصلت لبحيرة طبريا. وكانت له أيضا تجربة من أشهر التجارب الإبداعية التى كتبت فى حرب أكتوبر، وهو ذلك العمل المشترك بينه وبين نجاح العطار، وهي المجموعة القصصية "من يذكر تلك الأيام" وقد عبرت المجموعة عن واقع حرب أكتوبر المجيد، من خلال قصص تسجيلية لبطولات جنود أكتوبر البواسل، ففي قصة "السمكة الطائرة" يصوران معارك الطيران العربي السوري خلال حرب أكتوبر من خلال وصف تسجيلي على لسان بطلها الطيار "أ.ح" الذي اسقط 5 طائرات فانتوم المعادية و2 من طائرات الميراج، وأصيبت طائرته المقاتلة في معارك مرصد جبل الشيخ الرهيبة في الجو وعلى قمم ذلك الجبل المهيب. جمال الغيطاني أهدى مجموعته القصصية عن حرب أكتوبر إلى الشهيد "إبراهيم الرفاعي" من قادة القوات الخاصة، وقد كتب الغيطاني من خلال قصة هذا الشهيد الذي خاض حروب 1956، 1967 والاستنزاف واقتحام سيناء حتى استشهاده في معارك أكتوبر العظيمة دفاعا عن الإسماعيلية ثلاث أشكال أدبية، الأولى واقعية في شكل معلومات صحفية والثانية على هيئة قصص قصيرة طويلة (39 صفحة) بعنوان "أجزاء من سيرة عبد الله القلعاوي" والثالثة رواية طويلة بعنوان "الرفاعي" وفي قصته القصيرة احتفظ الغيطاني بمعظم المعلومات عن شخصية الشهيد البطل، وأضاف إليها حداثة الشكل الفني والمهارة في تركيب المعلومات وتوظيفها توظيفا فنيا جريئا، فقد كتبت من خلال عدة رؤي لزملاء الشهيد وجنوده وزوجته. وضربت القصة في عدة أزمنة وأمكنة لتعرض لنا معارك البطل وجسارته القتالية وسلوكه البسيط كإنسان عادي يتحرق شوقا لتحرير بلاده والثأر من العدو بسلاحه ووعيه وإيمانه تعبيرات الإنسان المصري غير المحدودة. وتقدم قصة "أجزاء من سيرة عبد الله القلعاوي" نموذجا فذا لبطل من أبطال القوات الخاصة في معارك حرب أكتوبر ويقوم المعمار الفني لهذه القصة على تنوير شخصية عبد الله القلعاوي وإضاءة حياته وبطولاته المتعددة خلال المعارك والمهام القتالية التي قام بها فتطالع معارك البطل التي قام بها في الماضي والحاضر، ونتعرف على ترجمة كاملة لحياته، وعلاقاته الإنسانية وقصة حبه وزواجه وأسرته ورؤيته وأسلوب حياته وسلوكه المتسم بالبطولة والوعي والقوة. مبارك ربيع تستمد "رفقة السلاح والقمر" موضوعها من القضية العربية، وقد أبدعها الأديب المغربى مبارك ربيع، بعد حدث تاريخي هو حرب أكتوبر، حيث يعد استجابة انفعالية تسجل جانبا لانتصار الشعب المصرى وجانبا من الأحداث العسكرية على الجبهة "السورية" معتمدة في ذلك على وقائع حرب أكتوبر 1973 مع العدو الإسرائيلي. وإن كانت بعض أحداثها تجري في المغرب فى الفصول الأول والخامس والسادس والأخير. ومرجعية الرواية تستند إلى الأخبار الرسمية والمدونة من منظور خاص، ومن رسائل الجنود إلى أهلهم وأسرهما، فيضعها فى حيز المحيادة وقراءة الأحداث أوالكتابة الوثائقية، كما أن هذه النوعية من الكتابات تخضع عادة إلى نوع من التقطير والفلترة والرقابة، ليظل جزءا من الواقع فى طى الكتمان، لذلك اعتمد الكاتب في بناء روايته على الطابع الروبرتاجي والصور الاستعراضية التى تصور عودة المغاربة المشاركين فى حرب أكتوبر مصحوبة بفرق رمزية للسوريين والفلسطينيين، كما يتضح من الرواية أن ذاكرة شخصيات "رفقة السلاح والقمر" ترمز إلى ذاكرة الإنسان العربي المثقلة بالهزائم، وترمز إلى مأساته التاريخية، يقابلها الحاضر الذي يصنع بديلا لتلك الذاكرة عن طريق البطولة في الحرب لتأسيس النصر، ومن ثم تحقيق ولادة جديدة لهذا الإنسان العربي، تخلصه من ثقل الماضي وكوابيس الهم التى تلاحقه فيقول فى أحد فقرات الكتاب " إنه الآن خلق جديد من صنعك ونسيجك... فلقد انحسرت تلك النار مؤقتا بعد أن طهرت الجرح وذهبت بكل التقرحات، وبقي الأثر وحده، بقي الندب الذي يحمله الرجال كتذكار لكي لا ينسوا أبدا".