تكافح السعودية لتغطية تكاليف العدوان على اليمن، والحرب التي تمولها أو على الأقل تشارك في تمويلها بسوريا، ودعمها للتنظيمات الإرهابية في عدة دول، وهو ما يجعل الاقتصاد السعودي عاجز عن الصمود أمام كل هذه التحديات، حيث فضحت الميزانية السعودية الأخيرة والتقارير حول الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المملكة، التعتيم الإعلامي على الأزمة والبذخ الغير مبرر الذي تنتهجه الأسرة الحاكمة. ذكرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية أن السعودية قامت بسحب ما يتراوح ما بين 50 و70 مليار دولار خلال الأشهر ال 6 الأخيرة من استثماراتها في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي يسعى فيه أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك" لسد العجز في ميزانيته بعد تراجع أسعار النفط الخام، وكشف الرئيس التنفيذي لشركة "انسايت ديسكفري"، أن السعودية سحبت الأموال من أجل خفض العجز المتزايد وتمويل الحرب في اليمن. وأشار تقرير "بلومبرج" إلى أن السعودية تسعى لكبح التراجع في مواردها المالية بعد انخفاض 50% في عائدات النفط خلال الأشهر 12 الماضية، وسجل الصندوق السيادي للسعودية أعلى مستوياته في شهر أغسطس 2014، إذ بلغ 737 مليار دولار، لتبدأ بعدها الاحتياطيات بالتراجع في ظل هبوط أسعار النفط التي انخفضت منذ شهر يونيو 2014 بنحو 60%، بعدما بدأ الإنتاج العالمي المرتفع يصطدم بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ويحتل الصندوق السيادي السعودي المركز الثالث عالميًا ضمن تصنيف أكبر الصناديق السيادية في العالم، لذلك فإن الرياض تمتلك قدرة على الاعتماد على احتياطياتها لعدة سنوات لدعم الإنفاق. السته أشهر الأخيرة التي تحدثت عنها الوكالة الأمريكية، والتي ذكرت أنها بداية انطلاق الأزمة الاقتصادية السعودية، هي نفسها الستة أشهر المنقضية على بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وهو ما يدفع إلى القول بأن حرب السعودية في اليمن كانت غير محسوبة بدقة من قبل النظام الملكي الحاكم. كانت صحيفة "فاينانشال تايمز" قد أوردت في وقت سابق أنباء عن سحب السعودية أكثر من 72 مليار دولار من أصولها المالية في الخارج، في ظل سعيها لتقليص عجز الميزانية جراء انخفاض أسعار النفط، وأشارت الصحيفة إلى أن احتياطي العملة الأجنبية لدى السعودية انخفض بنحو 71 مليار دولار، وهو ما يقارب ال72.8 مليار دولار التي سحبتها الدولة السعودية من أصولها في الخارج. وتوقع صندوق النقد الدولي في وقت سابق أن تسجل الميزانية السعودية عجزًا ضخمًا في عام 2015 قد يصل إلى 20% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وفي شهر يوليو الماضي، سجلت أصول الصندوق قراءة عند مستوى 661 مليار دولار، على خلفية قيام السلطات السعودية باستخدام احتياطياتها لخدمة احتياجات الميزانية. طرقت السعودية أيضًا باب الإقراض عبر إصدار سندات لتمويل عجر الميزانية، حيث أصدرت الرياض سندات سيادية بقيمة 5.33 مليارات دولار في شهر أغسطس الماضي. الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به المملكة ليس مفاجيء لحكامها وأمراءها، حيث أنه واقع اعترفت به السعودية على لسان وزير ماليتها "إبراهيم العساف"، حيث توقعت السلطات السعودية في وقت سابق تراجع في الموازنة بنحو 39 مليار دولار هذا العام، إلا أن صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الاقتصادية يعتقدون أن العجز الفعلي سيكون أكبر من ذلك بكثير، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل العجز إلى 130 مليار دولار خلال العام الحالي. في الوقت ذاته تتواصل الجهود الدولية الهادفة إلى وقف الحرب في اليمن، وإبرام اتفاق سياسي يجنب الأوضاع في البلاد المزيد من التدهور، ومؤخرًا أبدت الرياض موقفًا مرنًا بعض الشيء من المساعي التي يبذلها المبعوث الدولي إلى اليمن "اسماعيل ولد الشيخ أحمد"، وذلك بعد اقتناع السعودية أنها لن تستطيع إحراز أي انتصار كبير يمكن أن يكون نقطة انطلاقها في المفاوضات، معتبره أن أي تسوية سياسية فيها نجاة لورطتها في اليمن، بعد أن خرجت الأمور عن سيطرتها اقتصاديًا وعسكريًا. اختارت السعودية الانتقال من المواجهه الخفية منذ عقود إلى المواجهة المباشرة على الأراضي اليمنية، ولم تكن تعلم أن "العاصفة" التي أطلقتها في اليمن سترتد عليها اقتصاديًا وأمنيًا، لتتحمل كامل أعباء وتكاليف حرب اليمن، فيصبح أمنها مخترق وحدودها مكشوفة للمناوشات العسكرية وجنودها عُرضة للسقوط بالمئات، ويتبدل وضعها الاقتصادي من أغنى بلد خليجي عائم على ثروة نفطية هائلة إلى دولة مقترضة تبحث عن وسائل لسد عجزها، فيصبح الوضع في المملكة ينذر بخطر كبير محدق.