مأساة تكررت على مدار 5 سنوات بواقع مرة سنويًا، تشتعل النيران فتلتهم الأخضر واليابس، معدات ومراكب تتعدى 500 ألف جنيه في كل ورشة على حدى نتيجة لانتشار متعاطي المخدرات وكف أيدي الحكومة عن هؤلاء الخارجين على القانون. قال صلاح مسعود، مالك ورشة لصناعة السفن بالإسكندرية، ان مستأجري ورش الأنفوشي اعتادوا مغادرة محل عملهم يوميًا بمجرد انزواء الشمس خلف البحر وقت الغروب بعد التأكد من فصل كل مصدر للكهرباء عن المعدات، إلا أنه منذ أيام استفاق وشقيقه الشريكان في الورشة على خبر اندلاع حريق التهم 5 ورش متجاورة. وأضاف مسعود، ل" البديل" أن المنطقة كانت تخضع لرقابة قوات حرس الحدود، وهناك دوريتين على كلاً منهما ولم يكن يجرؤ أحد حينها على دخول الساحل أو عبور الرصيف عقب غروب الشمس، إلا أنه بعد رفع يدها عنها فإن دورها لم يتعدى الرقابة على الصيادين و" السريحة" فقط وأصبح المكان مرتع لمتعاطي المخدرات والعربجية الذين اتخذوا من وسط الورش اسطبل لخيولهم، دون أن يتمكن أحد من الاعتراض بسبب ما بحوزتهم من أسلحة بيضاء يستخدمونها في ترويع من يتعرض لهم. ووصف مسعود هيكل الورشة فهو عبارة عن أكشاك خشبية لا يفصلها عن المكان المحيط بها سوى بوابة خشبية لكل منها، ولا يعزلها عن الساحل شئ ولا الطريق غير هذا السور المنخفض الذي يستخدمه الأهالي في الجلوس عليه لاستنشاق يود البحر. وتوقع مسعود، أن يكون اندلاع الحريق بسبب سيجارة ألقيت من أحد متعاطي المخدرات داخل ميكنة المنشار التي رأى شهود العيان من أصحاب المقاهي والمحال المواجهة ممن يسهرون طيلة الليل، النيران أثناء اندلاعها من الداخل في بداية الحادث، ومن ثم انتقلت إلى سائر الورش، مشيرًا إلى ان القوات البحرية أرسلت سيارة إطفاء لإخمادها ولكن بعد التهام 5 ورش أحدها استخدمت كمخزن للانشات، بما فيها من لانشات ومعدات كهربائية ويدوية. وأضاف مسعود، انها ليست المرة الأولى التي تندلع فيها النيران بالورش ولكن في فترة الثمانينات وقع حادث آخر، ومنذ 5 سنوات احترق مسجد الشهداء بكل ما حوله من ورش، وفي آخر احترق مركبين، ثم الحادث الأخير الذي أصاب ورشتي شقيقيه وثلاثة آخرين. أما فيما يتعلق بحجم الخسائر التي تكبدها أصحاب الورش، فقال مسعود أن ورشة شقيقه وحدها تحملت خسائر بلغت 500 ألف جنيه، فضلاً عن خسائر أصحاب اللانشات، وذلك نظرًا لارتفاع أسعار معدات اللانشات، مشيرًا إلى أنهم حرروا محاضر بالواقعة ولكنهم راضون بقدرهم الذي اختراه لهم الله. ومع قرب الموسم الدراسي وتزامنه مع عيد الأضحى المبارك وما يتطلبه من نفقات وكيفية الوفاء بها، قال مسعود:" الله المستعان، السماء لا تمطر ذهبًا وفضة، ولا يمسح دمعتك إلا أيديك، محدش بيبص لحد وزمان كانت الناس بتساعد بعضها.. احنا رابع جيل في المهنة ومالناش مصدر دخل غيرها، إن نفذت خزائن الإنسان فإن خزائن الله لا تنفذ، ربنا بيسهل ربنا هيعوض حتى لو محدش بص لنا". وأوضح ان المنطقة تعج بورش صناعة السفن ومراكب الصيد واليخوت التي بدأت في نفس المكان بالأنفوشي منذ 200 سنة، وكان يرتادها السائحين لمشاهدة الحرف اليدوية التي تمتاز بها مصر والبلاد الساحلية بشكل عام، وبالتالي لا ينبغي بأي حال من الأحوال على الدولة أن تهملها بهذا الشكل التي هي عليه الآن خاصة وأن الإسكندرية تتميز بصناعة اليخوت المتطورة، ولكنها لا تنافس بها عالميًا لعدم الاهتمام بها أو تنظيمها والنظر إليها من قبل الحكومات. وعما يتعلق بالخطوات القانونية التي سيتخذها أصحاب الورش، قال مسعود انهم في انتظار الانتهاء من استخراج صور المحاضر حتى يبدأ في التحرك إلى المسئولين والمعنيين بالأمر لتنفيذ مطالبهم، والتي من بينها بناء سور مبدأي والنظر في الأمر من قبل المحافظة وعمل بوابات ومكتب يتبع قوات حرس الحدود للدخول والخروج بتصريح، بالإضافة إلى أن الورش المستأجرة من قبل المحافظة، التي كلفت موظفة من الأمن الصناعي بمعاينة الورش وتحديد الخسائر. وقال محمد يحيي، صاحب ورشة نجارة، ان النيران التهمت كل محتويات الورشة ولا يمتلك من الإمكانيات التي تعوضه عن خسارته، حتى أن الفاعل مازال إلى الآن مجهولاً للجميع، مستنكرًا عدم سرعة الاستجابة من قبل شرطة المرافق وخروج سيارة إطفاء واحدة فقط، وكذا تجاهل المسئولين للواقعة رغم فداحتها. يعمل يحيي في حرفة صناعة الأثاث بعد ركود صناعة السفن، فكانت تضم الورشة وقت احتراقها حجرتي نوم وثالثة للطعام لا يقل تكلفتها عن 20 ألف جنيه. وأوضح يحيي، انه يعول 4 أبناء من المتوقع ألا يجدوا قوت يومهم، لا سيما مع دخول عيد الأضحى والموسم الدراسي.