تشهد الدورة الثامنة للمهرجان القومي للمسرح، المنعقدة فعالياتها من 4 الشهر الجاري حتى 21، منافسة قوية بين عدد كبير من العروض المتميزة، وشهد أسبوعها الأول عروضًا تناقش الكثير من القضايا المهمة وتقدم تجارب فنية جيدة، وهي دورة شابة لأن النسبة الأكبر من العروض للشباب، لهذا تشهد تنويعة من القضايا التي تشغل الشباب في نواحي مختلفة. وشهد الأسبوع الأول أيضًا أحداثًا صادمة، لكنها كاشفة عن كثير من أسباب الخلل في إدارة مسارحنا، فلأول مرة في تاريخ المهرجان يقع شجار بين فريق عرض "الحصار" إخراج السعيد منسي، لفرقة قصر ثقافة المنصورة، وبين الفنيين العاملين في مسرح ميامي، وقد بدأ قبل العرض في يومه الثاني ووصل حد الاشتباك، حين اتهم أعضاء الفريق الفنيين بأنهم لا يريدون تنفيذ طلباتهم في الإضاءة إلَّا بمقابل مادي، فرد أحد الفنيين بصفع ممثل، ورغم ما بدا من احتواء الموقف، بعد تدخل مدير التجهيزات الفنية بالمهرجان قبل العرض، إلَّا أنه بعد العرض وخروج لجنة التحكيم من المسرح تصاعد الاشتباك بين الفرقة والعمال بالأيدي وتكسير الكراسي، ورفع الممثلون طفايات الحريق مهددين العمال بها، وتدخل رئيس المهرجان وعدد من إدارة المهرجان والمرافقين للفريق من هيئة قصور الثقافة التي يتبعها العرض، حتى تمت السيطرة على الموقف بعد ساعة تقريبًا، وطلب رئيس المهرجان التحقيق في الواقعة. مسرح ميامي كثيرًا ما يشهد مشكلات مختلفة، كان منها في المهرجان في ذات العرض تخصيص أرقام للجلوس ثم التخلي عنها ووجود أطفال في عروضه، مما يسبب تشويشًا للمشاهدين، والشكوى المتكررة في عروض مختلفة من طريقة الإدارة الحادة في التعامل مع الجمهور. شهد المهرجان انسحاب عرضين في أسبوعه الأول: "ماراصاد" للمخرج عصام عمر لجامعة الإسكندرية، و"الله محبة" للمخرج باسم عبد الله لفرقة مسرح بلا حدود، وكلاهما من عروض الهامش خارج المسابقة. وانسحاب المخرج ومصمم الديكور، فادي فوكيه، من لجنة العروض والبرامج، وكمقرر للجنة التحكيم في المهرجان؛ لعدم مشاركة العرض الممثل لمهرجان الكرازة المرقسية "ألواننا" لفرقة "بيستافروس"، خلافًا لعرف الدورات السابقة، بمشاركة العرض الفائز في مهرجان الكرازة كأحد جهات الإنتاج التي ترشح عروضها المشاركة بالمهرجان دون المرور بلجنة مشاهدة؛ لضمان تمثيل ومشاركة جميع جهات الإنتاج المسرحي في مصر، باعتباره مهرجانًا قوميًّا مصريًّا، وقال: "عندما تقدمنا للمشاركة في المهرجان منذ ثلاثة أعوام احتار القائمون على المهرجان في إدراج العرض تحت أي مسمى، فقرروا مشاركته ضمن عروض الجمعيات الأهلية دون مشاهدة، إلى أن يتم تعديل اللائحة"، أسوة بمهرجانات الجامعة والثقافة الجماهيرية. في هذه الدورة أدرج العرض الفائز في مهرجان الكرازة ضمن برنامج لجنة مشاهدة عروض المجتمع المدني، ولم يتم اختياره داخل المسابقة، وقررت عرضه على الهامش فانسحب فريق العرض". وطالب فادي فوكيه بتدارك ما اعتبره خطأ في اللائحة الجديدة للمهرجان، التي استحدثت هذا العام، بتجاهل عروض جهة إنتاج كبرى كمهرجان الكرازة وأسقفية الشباب التي تشهد سنويًّا تقديم نحو 600 عرض، واقترح إتاحة الفرصة لعدة عروض إذا كان المهرجان يريد إخضاعها للجنة مشاهدة بدلًا من تقدم عرض واحد فقط حتى يمنح تلك العروض فرصة عادلة. في المقابل نفت إدارة المهرجان، في بيان، استبعاد العرض، وقال المخرج ناصر عبد المنعم، رئيس المهرجان: الإدارة لا تتدخل في اختيار العروض المشاركة، وتترك الأمر بالكامل للجان المشاهدة المعنية باختيار عروض الفرق النوعية والحرة والمستقلة والهواة داخل المسابقة الرسمية، وفقًا للائحة المهرجان التي تحدد آليات الاختيار والمشاركة، وأضاف أن المهرجان والعاملين به يكنون التقدير لدور المسرح الكنسي وعمل بعضهم به. جدل الحياة والموت والتطرف الديني تتميز عروض هذه الدورة بالاتكاء على نصوص جيدة من المسرح العالمي، كما تشهد جرأة وجدية في طرح قضايا تثير جدلًا كبيرًا، شهدنا عدة عروض تتناول المعتقدات الدينية وحيرة الشباب في مواجهة التشدد الديني، كما "ايكوس والحصان" إخراج فريد يوسف، من بيت ثقافة السنبلاوين، وجدل انتظار المخلص دينيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا كما في عرض"في انتظار جودو". ومن عروض مسرح الدولة المتميزة "روح" للمخرج باسم قناوي، الذي يعد أحد أفضل عروض هذا الموسم، ويناقش جدلية الموت والحياة. ومن عروض الفرق الحرة "في انتظار جودو" إخراج أحمد صبحي، لفرقة من القاهرة مع حبي، الذي اعتمد على مهارات الممثلين وقوة النص، ليقدم حالة من الامتاع الفني لمشاهديه. وعرض "ارلكينو والإكليل" إخراج عمر الشحات، لفرقة جيفارا الذي اعتمد على أسلوب الكوميديا ديلارتي "لتقديم قضية التحول الذي يطرأ على من يتقلد كرسي الحكم وكيف يتحول إلى ديكتاتور خلال رحلة توطيد أركان الحكم مهما كانت وضاعة الأساليب". وبموازاة حزمة عروض جيدة، وجدنا عرض "ثري دي" للمخرج محمد علام، إنتاج مسرح الطليعة، يغرق في الإفيهات الجنسية، رغم أن المسرح نفسه قدم أعمالًا متميزة، مما يعني غياب رؤية تفرز ما يقدمه المسرح المملوك للدولة. وأثار "هردبيس" إخراج جرجس ميلاد، لفرقة الرؤيا من السويس، غضب كاتب النص ناجي عبد الله، الذي أعلن تبرؤه من العرض، قائلًا إنه لا يعبر عن النص؛ فقد تم اختزاله وإجراء تغييرات مؤثرة فيه. العرض جاء ضعيف المستوى، مما أثار عجب المشاهدين والنقاد لمشاركته ضمن المسابقة، مما يعني حرمان عمل آخر أفضل كان يستحق المشاركة ضمن عروض الفرق الحرة. الندوات دون جمهور شهد برنامج ندوات المهرجان، الذي عقد كله خلال الأسبوع الأول منه، غيابًا ملحوظًا للجمهور، لتقتصر على المتحدثين فيها رغم أهمية القضايا التي تتناولها، فقد طال الغياب ندوتي تكريم الفنانين الراحلين خالد صالح ونور الشريف، فلم تحضر أسرتاهما، رغم دعوة إدارة المهرجان لكلتيهما. مما يتطلب مزيدًا من التنسيق، ووضع استمارة استبيان، لاستكشاف أسباب غياب المسرحيين خاصة الشباب عن مناقشة قضاياهم، كذلك تجب دعوة المسؤولين عن إدارات المسرح للمشاركة بهذه الندوات والاستماع إلى مشكلات ورؤى المسرحيين في حوار مباشر، وما جدوى تكرار ما يتداوله المسرحيون بالفعل بينهم علي مواقع التواصل الاجتماعي، في الندوات.