في إطار التدمير المُمنهج للأثار والتخريب المتعمد للتاريخ الإنساني والحضاري، ومحاولات تنظيم "داعش" الإرهابي المستمرة لطمس المعالم الحضارية والأثرية للتاريخ السوري خاصة في مدينة "تدمر" المدرجة على لائحة التراث العالمي، والتي يطلق عليها "عروس الصحراء"، أقدم التنظيم الإرهابي على جريمة جديدة في حق الحضارة السورية القديمة، حيث فجر التنظيم معبد "بعلشمين" الشهير والذي يعود تاريخه إلى ألفي عام. تفجير المعبد أعلن المدير العام للآثار والمتاحف السورية "مأمون عبد الكريم" أن تنظيم "داعش" فجر معبد "بعلشمين" الشهير في مدينة تدمر الأثرية الواقعة في وسط سوريا، وقال "عبد الكريم"، "فخخ تنظيم الدولة بكمية كبيرة من المتفجرات معبد بعل شمين قبل أن يفجره"، مضيفا أنه "تم تدمير المعبد بشكل كبيير"، موضحا أن التفجير أدى إلى "دمار الجزء المغلق من المعبد وانهيار الأعمدة المحيطة به"، واعتبر "عبد الكريم" أن "أسوأ توقعاتنا للاسف بصدد التحقق". تاريخه "بعلشمين" هو "إله السماء" لدى الفينيقيين، ويعتبر معبده الوحيد من نوعه الذي بقي محافظاً على شكله الأصلي كما بُني في بداية القرن الأول الميلادي، وتشير الوثائق المكتشفة إلى أن بناء المعبد قد قام على نفقة شخص يدعى "مالئ"، وهو شيخ عشيرة "بني معزين" التدمرية. يقع المعبد في الحي الشمالي لمدينة تدمر القديمة فوق أنقاض معبد أقدم منه، ويتألف المعبد من الحرم وساحتين شمالية وجنوبية تحيط بهما الأروقة، وأمام الحرم عتبة تحمل ستة أعمدة وجبهة مثلثية، ودخلته بعض العناصر المعمارية الإغريقية والرومانية إضافة إلى تصميم المعبد الذي يشبه إلى حد كبير تصميم المعابد الرومانية، من خلال اختصاره على صالة مقدسة مركزية واحدة تقوم فوق مصطبة مرتفعة ويتقدمها رواق محمول على أعمدة ذات تيجان كورنثية وقواعد أيونية، لم تكن كافية لإعطائه الشكل العام للمعبد الروماني أو الإغريقي، فوجود العناصر المعمارية الشرقية يطغى على طابع البناء العام للمعبد، فالساحة ذات الأروقة التي تحيط بالمعبد وتضم المذبح وغرفة المائدة، إلى جانب العناصر الزخرفية المستخدمة في تزيين المعبد جعلت منه معبدًا يختلف عن المعابد الرومانية. جرائم "داعش" في تدمر منذ سيطرة "داعش" على مدينة "تدمر" الأثرية، لم يمضِ يوما بالمدينة دون تدمير أحد أثارها أو معابدها أو مقابرها الأثرية التي تعد من الكنوز الأثرية العالمية، حيث دمر المسلحون تمثالا ل"أسد" يعود للقرن الثاني الميلادي كان موجودا عند مدخل متحف "تدمر"، كما حولوا المتحف إلى محكمة وسجن، وفجروا ضريحين إسلاميين في يونيو 2015، وهما مزار "محمد بن علي" المنحدر من عائلة الصحابي "علي بن أبي طالب"، ومزار العلامة التدمري "أبو بهاء الدين"، ووصفوهما بأنهما من "مظاهر الشرك"، وبث التنظيم تسجيلا مصورًا في يوليو يظهر عملية إعدام نحو 20 شخص رميًا بالرصاص في المسرح الروماني في "تدمر"، وكانت آخر جرائمهم ذبح عالم الأثار السوري "خالد الأسعد" بالسيف والتمثيل بجثته بعد ربطه على عمود كهرباء أمام الملأ. استهداف الحضارة السورية تشهد الآثار السورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام انتهاكات خطيرة، إذ تتعرض المواقع الأثرية المنتشرة في معظم مدن وبلدات البلاد للنهب والسرقة ويقوم نابشي الآثار بالبحث عن القطع الأثرية في المواقع القديمة لبيعها من خلال مافيا الأثار وتمويل عملياتهم الإرهابية من خلالها، حيث انتقلت "داعش" من مرحلة إبادة الشعب السوري وتشريده إلى السطو على تاريخه وأثاره وحضارته.