أثارت المقالة التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام قليلة للقيادي لبيب النحاس في حركة «أحرار الشام»، المعروفة بقربها من «جبهة النصرة» الموضوعة على قائمة الإرهاب الأمريكي، تخوفات لدي البعض من المحاولات الدولية والأمريكية لتحسين صورة التنظيمات المتطرفة ووضعها في منطقة الاعتدال، لاسيما وأن هذه التنظيمات ما زالت موالية لتنظيم القاعدة، والتي لطالما بررت واشنطن تدخلها في المنطقة من أجل محاربتها. ووجه النحاس، في مقاله العديد من الانتقادات لسياسة واشنطن في سوريا، تمحورت حول الخطأ الذي ارتكبته إدارة أوباما في تحديد مفهوم «الاعتدال»، وإخراج حركته من هذا المفهوم، مطالبًا بإعادة النظر في وضع الحركة، بالتزامن مع بحث واشنطن عن بديل للنظام السوري، وفي هذا السياق، ذكّر النحاس بتصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في ديسمبر الماضي الذي قال فيه: «لا يجب أن يختار السوريون بين طاغية وإرهابيين، فهناك خيار ثالث هو المعارضة السورية المعتدلة التي تقاتل كلا الطرفين». ويعقب النحاس بأن «هذه النظرة الجديرة بالثناء تم تحطيمها بسبب تعريف الولاياتالمتحدة لمفهوم الاعتدال بطريقة ضيقة واعتباطية، استثنت جل التيار الرئيس للمعارضة»، في إشارة إلى «أحرار الشام» التي قال عنها كما سبق زعيم «جبهة النصرة» المتشددة والمرتبطة بالقاعدة أبو محمد الجولاني في لقاء مع «الجزيرة» أنها «تتمتع بالدعم الشعبي بين صفوف الحاضنة المحلية»، بحسب وصفه. ثمة مؤشرات واضحة خرجت من المقالات تؤكد رغبه حركة أحرار الشام بالتحالف مع الولاياتالمتحدة، وعدم ممانعتها في أن تلعب دور «القوة المعتدلة» التي تبحث عنها واشنطن، حيث قال النحاس، في ختام مقالته، «ما زالت الفرصة سانحة للولايات المتحدة لتغيير مسارها، الخيار الثالث الذي طرحه جون كيري موجود، ولكن على واشنطن أن تفتح عينها وتبصره»، كما شدد على «التزام حركته بالحوار مع المجتمع الدولي، وأن القضايا التي تحتاج النقاش هي كيفية إنهاء حكم الأسد، وكيف يمكن هزيمة تنظيم الدولة». وبينما يتولى المحور القطري التركي مهمة تلميع «جبهة النصرة»، وفتح الأبواب أمامها للظهور الإعلامي ومخاطبة الرأي العام بالرغم من أنها مصنفة عالمياً كتنظيم إرهابي، فإن بعض الصحف الأمريكية تستمر في نشر مقابلات أو لقاءات مع قياديين في بعض الفصائل الأخرى وعلى رأسها «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، حيث أجرت صحيفة «مكلاتشي» الأمريكية لقاء مع زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش قبل أسابيع، هو الأول من نوعه، كما نشرت «واشنطن بوست» مقالة لمسؤول العلاقات الخارجية في «أحرار الشام» لبيب النحاس، وهو ما يشير إلى أن مثل هذا التعاطي الإعلامي المستجد مع هذه التنظيمات التي لطالما طالب مسئولين أمريكيين بوضعهم على قائمة الإرهاب، قد يعكس تغيراً في نظرة الإدارة الأميركية تجاهم، أو بشكل أدق فهو يشير إلى نجاح المساعي الأمريكية في استقطاب الحركة بعد محاولات عدة باءت بالفشل. ومن المعروف في هذا السياق، أن السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد حاول، منذ العام 2013، من خلال اجتماعات عديدة عقدها في تركيا مع قيادات من «أحرار الشام»، أن يستقطب الحركة إلى المحور الأمريكي ويجعلها أداة أمريكا في الداخل السوري، إلا أن شروط القيادة السابقة للحركة، كانت تعرقل الوصول إلى نتائج إيجابية لهذه الاجتماعات، ولكن على ما يبدو فإن القيادة الحالية تجاوزت ذلك بفعل التطورات الميدانية، وقررت أن تعرض هي خدماتها على واشنطن. ويرى محللون تعقيبًا على هذا الشأن أن أمريكا بدأت تعترف تدريجيا بالتحالف الجديد بين "جبهة النصرة" و"آحرار الشام" كرأس حربة في الحرب ضد النظام السوري، وقد يكون هناك خطوة مقبلة باستبدال «آحرار الشام وجبهة النصرة» بأسماء أخرى لخروجهما من قوائم الإرهاب الأمريكية لدعمهما في صورة علنية ليكون هو بحسب زعمهم واجهة الحرب ضد الجيش السوري وداعش في صورة «المعارضة المعتدلة».