قناع الجيش والشعب “إيد” واحدة: الحرب خدعة هذه هي خبرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو ما نفذه منذ اللحظات الأولى لانفجار ثورة 25 يناير حيث تسلل خلف خطوط “العدو” مع قرار نزوله إلى الميدان، بعد اشتباكات قليلة بين الثوار والحرس الجمهوري، وظهور شعار الشعب والجيش “إيد” واحدة، الذي كان الحل السحري لإخلاء الميادين مجاناً دون إراقة المزيد من الدماء. واحتلت القوات أماكنها بحيث يبرز للجميع أن المجلس العسكري محايد، أو في صف الثورة عند أصحاب النوايا الطيبة أو الساذجين، خاصة وقد ترك شعارات “يسقط مبارك” مسجلة على الدبابات لأيام عدة، وبدأت ملامح حقيقة انحيازه للنظام القائم مع معركة “الجمل” حيث تلقت الدبابات قنابل المولوتوف وهي رابضة مكانها كأنها مجرد خردة، دون أن تفصل على الأقل بين الثوار وبلطجية وأمن مبارك، ولا نقول تحمي الثورة، كما ادعى المجلس فيما بعد. واحتالت قوات المجلس على عدم المواجهة في أحداث ميدان العباسية بينما حمت قوات الأمن المدنية والبلطجية في تصديهم للثوار. لكن القناع بدأ يسقط مع سحل الدبابات للثوار أمام ماسبيرو، ثم شارع محمد محمود ثم أمام مجلس الوزراء. واتضح أن هذا الشعار يخفي وراءه شعاراً آخر هو الجيش والشرطة “إيد” واحدة. قناع المرحلة الانتقالية: رغم أنه لم يحدث انتقال للسلطة لأيدي الثوار، تخفّي المجلس العسكري وراء شعار المرحلة الانتقالية لزرع الألغام أمام استمرار الثورة لتحقيق أهدافها وجهز ميدان المعركة مع الثوار للقضاء على الثورة نهائياً، بترويع المتظاهرين بالعنف المفرط، الذي أنجزته قوات الصاعقة والقوات الخاصة، وتشويه صورة الثوار أمام الشعب باتهامهم بالبلطجة والتمويل الخارجي والعمل على هدم الدولة. لقد تم اختراع قناع المرحلة الانتقالية لإعادة إنتاج نظام مبارك في تحالف جديد بين الرأسمالية “المباركية” التي تتضمن الرأسماليين الفاسدين ورأسمالية الجيش، والرأسمالية الدينية في شكل شبه ديمقراطي يحتوي على مجلسين طائفيين ورئيس جمهورية بالتوافق بين المجلس والجماعات المتخفية خلف قناع الدين. ولم تعد المرحلة الانتقالية انتقالاً ما بين عصر الفساد والاستبداد إلى سلطة الثورة لبناء مجتمع عادل جديد، بل كانت ومازالت وستظل امتداداً لحكم الطغمة العسكرية منذ يوليو 1952، مع تعديلات في طبيعة تحالفها مع الطغمة الرأسمالية الدينية. قناع أسلحة القهر تتعدد أسلحة القهر لدى الطبقة الحاكمة من الشرطة والجيش والإعلام والقانون والدين، حتى الأشكال الحديثة من تمويه قوات الأمن والجيش بالملابس المدنية حتى تنظيم قوات بلطجة دائمة. ومع الانهيار المدوي لقوات الأمن المركزي في انتفاضة الشعب المصري 18 و19 يناير 1977، جهزت السلطة استراتيجيات جديدة للتصدي للمظاهرات الجماهيرية الضخمة، منها ما حدث في ثورة 25 يناير من توزيع القناصة فوق المباني وفتح السجون للمجرمين لنشر الذعر بين الناس إلى انسحاب قوات الأمن لخلق حالة من الهلع العام، وتمويل فرق البلطجية المدعمة بعناصر أمن الدولة والشرطة في الملابس المدنية. وأخيراً لا مهرب من الاستخدام المباشر للقوات المسلحة لمنع استمرار الثورة. قناع الشرعية لم يكن تسليم مبارك السلطة للمجلس العسكري شرعياً، لا حسب الدستور القائم، ولا حسب الثورة الحية في الميادين. ولن نبلع خدعة من الذي سلم السلطة لمن هل أن مبارك هو الذي سلم السلطة، التي كانت لدى الجيش منذ انقلاب يوليو 52 باستثناء مشروع التوريث، أم أن المجلس هو الذي استولى على السلطة بشكل مباشر، فالحقيقة تنطق بأنه لم يحدث انتقال لسلطة الطبقة الرأسمالية الفاسدة ورأسمالية الجيش. ولم تصمد الشرعة الكاذبة للمجلس المستمدة من التعديل الدستوري والإعلان الدستوري الذي انتهك التعديل، أمام انفراد المجلس العسكري بالقرارات السلطوية العلوية التشريعية والتنفيذية التي لا تستمد أية شرعية من أية دساتير أو تعديلات دستورية. وحاول المجلس جاهداً التستر وراء الشرعية الثورية بكافة الطرق، لكن ما أسرع ما سقط عنه هذا القناع، مع تصديه بالعنف للتظاهرات والاعتصامات وسحله للثوار وقتلهم بالطلقات النارية وإفقادهم بصرهم والقبض على المصابين تحت زعم أنهم متهمون وتركهم حتى الموت دون علاج، وتحويل مجلسي الشعب والشوري إلى سلخانات تعذيب للمتظاهرين، ومن قبلها المتحف المصري. فعم وساد في الميادين شعار “يسقط..يسقط..حكم العسكر”، نازعاً أية شرعية ثورية عن المجلس العسكري الذي يجب محاكمة أعضائه عن المذابح التي ارتكبوها والفساد الذي شاركوا فيه. قناع المجلس الطائفي كان التجييش الطائفي هو السلاح الأخير في أيدي الطبقة الحاكمة، وكانت الجماعات الطائفية الإسلامية جاهزة للقيام بهذا الدور، الذي طالما حلمت به لاقتسام المنافع المادية والسلطوية مع سلطة العسكر. وأدت المساومات بين طغمة رأسماليي العسكر والطغمة الدينية الرأسمالية إلى تقسيم السلطة لمحاصرة الثورة وقطع الطريق أمام تنفيذها لمطالبها الأساسية “عيش ..حرية ..عدالة اجتماعية”، حيث لن ينجح التحالف الرأسمالي بين نظام مبارك والجيش والجماعات الطائفية في تحقيق أي من هذه الشعارات، بل هي رأسماليات ستواصل إفقار الشعب وقمعه من أجل مزيد من استغلاله واغتصاب قوة عمله. تماماً مثلما استغل المتأسلمون شعاراتهم الطائفية في تكفير غيرهم وبيع وهم الجنة للفقراء، سوف يستمرون في تنفيذ مخططاتهم الطائفية لتقسيم المجتمع المصري إلى كفار ومؤمنين بمقاييسهم الوهابية الخاصة، ومسلمين ومسيحيين، مع مزيد من قهر النساء. وسيصبحون بأغلبيتهم في مجلسي الشعب والشوري دليلاً واضحاً على ترسيخ التقسيم الطائفي في مصر، حيث يمثلون بتمويلهم الخليجي واستثماراتهم المحلية والدولية جزءاً صغيراً لكنه نافذ من المصنفين طائفياً بأنهم السنة في مصر، عاملين على مزيد من التمييز بين المصريين بناء على عقيدتهم الدينية، بينما خارجهم السنة غير الوهابية والمتصوفة والشيعة والمسيحيين بالطبع، مما سيدفع نحو مزيد من الفرز والاصطفاف الطائفي. قناع الخروج الآمن لرجال المجلس بعد أن تم إخراج مسرحية الخروج الآمن من الحكم لمبارك ورجاله بمحاكمات شكلية سوف تؤدي على أكثر تقدير إلى أحكام مخففة مع تأجيل التنفيذ، أو الإفراج بعد فترة بأية حجج، يجري الآن تنفيذ سيناريو الخروج الآمن لرجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي شارك دون شك في الفساد والاستبداد في زمن مبارك واستمر في نفس السياسات بعده. ويشارك في رسم وتنفيذ هذا السيناريو الإخوان المسلمون وبقية الطغمة المقنعة بالشعارات الدينية، كجزء من المساومة على حصولهم على المزيد من السلطات والمكاسب المادية. ولا شك أن استمرار الثورة في مصر كفيل بإسقاط هذه الأقنعة وغيرها من طرق الخداع والتخفي التي تبرع فيها العقلية العسكرية والعقلية المستغلة للدين.