يحكي التاريخ أن شابًا كان اسمه صمويل فينلي بريز مورس، عمل رساما طوال حياته، لتدبير نفقات دراسته، لكنه لم يلق التقدير الذي يستحقه فظل يعاني الفقر في حياته، وهو المولود عام 1791، في تشارلستاون بولاية ماساتشوستس، ودرس في أكاديمية فيليبس في أندوفر، ثم التحق بكلية ييل ليدرس الفلسفة الدينية والرياضيات، حيث تخرج بتفوق سنة 1810. في سنة 1825 كلفت مدينة نيويورك مورس برسم صورة زيتية لجلبير دو موتييه (ماركيز لافاييت)، في واشنطن مقابل 509 دولار، فخرج من ولايته إلى هناك كي يتم العمل المطلوب منه، وأثناء قيامه بالرسم، جاءه رجل بريد من راكبي الخيول -وكان البريد وقتها ينتقل من شخص لآخر عن طريق راكبي الخيول- برسالة من أبيه من سطر واحد نصها "زوجتك العزيزة في مرحلة نقاهة"، فغادر مورس واشنطن على الفور، دون أن يكمل اللوحة، متوجهاً إلى موطنه نيو هافن ليكتشف أن زوجته قد ماتت ودفنت. ظل لأيام لا يعلم شيئًا عن مرض زوجته، ثم وفاتها بعيدًا عنه، تحت تأثير صدمته ترك مورس الرسم، وأخذ يبحث عن طريقة للتواصل عبر المسافات الطويلة، وأثناء رحلة بحرية قام بها مورس سنة 1832، التقى شخصاً من بوسطن يدعى تشارلز جاكسون، كان قد درس الكهرومغناطيسية، وشاهد العديد من تجاربه على المغناطيس الكهربي، وعقب تلك المشاهدات، طور مورس مفهوم التلغراف ذي السلك الواحد، بعد أن أنشأ الأكاديمية الوطنية للتصميم؛ وصنع أول نموذج عملي التلغراف سنة 1835. واجه مورس في البداية صعوبة تمثلت في عدم قدرته على توصيل الإشارة التلغرافية إلى مسافة تزيد عن ياردات قليلة من السلك، ولكن مساعدة البروفيسور ليونارد غيل (أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك) مكنته من إرسال الرسائل التلغرافية لمسافة عشرة أميال (16 كيلومتراً) من السلك. وفي سنة 1838 فشل مورس في الحصول على دعم الحكومة المركزية في واشنطن لتوصيل خط تلغرافي، فسافر إلى أوروبا باحثاً عن رعاة وعن براءات لاختراعه أيضاً، ولكنه اكتشف في لندن أن كلاً من وليام كوك وتشارلز ويتسون سبقاه إلى تنفيذ الفكرة في بريطانيا. وفي ديسمبر 1842 سافر مورس للمرة الأخيرة إلى واشنطن محاولاً إقناع الحكومة الفيدرالية، فقام بتوصيل "أسلاك بين غرفتين في الكابيتول (مبنى الكونجرس) وأخذ يرسل الرسائل بين الغرفتين بالتبادل" ليوضح لرجال الدولة طبيعة اختراعه. فخصص الكونجرس 30 ألف دولار سنة 1843 لإنشاء خط تجريبي طوله 38 ميلاً (61 كيلومتراً) بين واشنطن وبالتيمور. وفي 24 مايو 1844، في مثل هذا اليوم، افتتح الخط، وجرت أول تجربة رسمية له، أرسل فيها مورس عبارته الشهيرة "ما أروع صنع الله"، وهي عبارة اختارتها آني إلسورث، ابنة هنري إلسورث، مفوض براءات الاختراع، من الكتاب المقدس (سفر العدد 23:23)، وكان إلسورث قد تبنى اختراع مورس وساعد في توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذه. وفي مايو 1845 أنشئت شركة ماغنيتيك تلغراف، لتوصيل خطوط التلغراف من مدينة نيويورك إلى فيلادلفيا وبوسطن وبافالو ومنطقة المسيسيبي. حصل مورس على براءة لاختراع التلغراف سنة 1847 في قصر بيلربيه القديم في إسطنبول من السلطان العثماني عبد المجيد الأول، الذي قام بتجربة الاختراع الجديد بنفسه، وفي خمسينيات القرن التاسع عشر، سافر مورس إلى كوبنهاغن وزار متحف ثورفالدسنس، وقابله الملك فردريك السابع ليقلده وسام دانيبروغ. وفي سنة 1851 تبنت أوروبا رسمياً جهاز مورس ليكون الجهاز المعتمد في الاتصالات التلغرافية في أوروبا، غير أن المملكة المتحدة ومستعمراتها الشاسعة احتفظت بجهاز كوك وويتسون. وما زال تلغراف مورس الأول محفوظًا في المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي في مؤسسة سميشونيان، بصحبة طلب مورس للحصول على براءة اختراعه، وسرعان ما صارت شفرة مورس اللغة الأولى للتواصل التلغرافي في العالم.