سارع الإعلام السعودي ومن لف لفه من إعلام دول المنطقة إعلان انتصار الرياض في عملية "عاصفة الحزم" لتحقيقها أهدافها والتي تغيرت عن ما طُرح في بداية العدوان إلى ما دون حد أدنى، فلم يتغير الوضع لصالح السعودية أو حلفاءها في الداخل اليمني إلى ما هو أفضل حالاً عند بداية القصف الجوي قبل نحو شهر مضى، وهو ما حدا بالكثير من المحللين بل والساسة على مختلف توجهاتهم وجنسياتهم إلى اعتبار ما حدث هو هزيمة لطرف وانتصار الطرف الأخر، سواء على مستوى داخلي أو إقليمي أو دولي؛ إلا أن المداورات السياسية على خلاف توجهاتها وأهدافها لا تنفي صمود الشعب اليمني الذي تحمل وحده نار العدوان السعودي، الذي أُستخدم فيه أحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، أحداها كان القنابل الفراغية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد القنابل النووية من حيث شدة التدمير. وخلافاً لهذا، فأن ما حدث منذ يومين يتعدى نقاش حول الهزيمة والانتصار إلى سؤال حول الخطوة القادمة من الأطراف المتحاربة، التي تنحصر بواقع تفكك تحالف "عاصفة الحزم" إلى الرياض من جهة والحوثيين من جهة، دون إغفال أن الأهداف التي أدعت السعودية تحقيقها من عدوانها في مرحلته الأولى لم تكن هي الأهداف التي شُن من أجلها العدوان، والتي كان على رأسها إسقاط الحوثيين ونزع سلاحهم وإعادة هادي منصور إلى السلطة، فاكتفى المتحدث بأسم "عاصفة الحزم" عند إعلانه المفاجئ بانتهاء العملية بأن يدعى أنها حققت المرجو منها، لكن الواقع يقول أن الوضع السياسي في اليمن كما كان قبل العدوان السعودي، فلا عاد هادي ولا انهار الحوثيين -سياسياً أو عسكرياً- الذين وسعوا نفوذهم على الأرض إلى ما تجاوز مرحلة ما قبل "عاصفة الحزم". وفيما ظهر بعد أقل من يومين من الإعلان عن انتهاء "عاصفة الحزم" أن السعودية تحضر لاستئناف عدوانها من جديد، بالعودة إلى المربع الأول، وهو اعتماد الرياض على وكلاء في الداخل اليمني لتحقيق ما عجزت عنه بعد تفكك تحالف "عاصفة الحزم" وابتعاد أي امكانية لعمل بري ينجز ما استهلته الضربات الجوية، التي من المعروف أنها لا تحقق أي مكاسب سياسية أو عسكرية دون عمل بري يواكبها، وبذلك يتضح أن السعودية مارست بغارتها الجوية طيلة 3 أسابيع من عدوانها سياسة عقابية هدفها إجبار الجبهة اليمنية الداخلية على الانقلاب على القوى الثورية وعلى رأسها الحوثيين، -ذلك يُذكر بمنهج الاحتلال الصهيوني العقابي في سلسلة عدوانها على قطاع غزة منذ 2008- وبالتالي كان الانسحاب للحد الأدنى الذي يحفظ ماء وجه المملكة وهو عودة هادي أو مكونات نظامه إلى عدن، واستكمال خطة تكوين مجموعات مسلحة هي نتاج لخليط من إخوان اليمن وفصيل وحيد من الحراك الجنوبي، بالإضافة إلى عناصر القاعدة -نجحوا بغطاء من الطيران السعودي باحتلال مواقع عسكرية للجيش اليمني في مدينة "المكلا" إبان الأسبوع الثاني من العدوان- تقاتل القوى الثورية والجيش اليمني بدعم بحري وجوي من السعودية، وذلك بموازاة عملية وساطة أو مفاوضات بناء على مبادرة يطرحها أحد الوسطاء -سلطنة عُمان مثلاً-تتبلور حالياً حدد السعوديين أفقها بالمبادرة الخليجية، بينما ذهب الحوثيين إلى التمسك بمخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، أي بعبارة مختصرة، لم تحقق الحرب أي تقدم سياسي للسعودية ووكلائها في اليمن، بينما حقّ للقوى الثورية وعلى رأسها حركة أنصار الله فرض ما يزيد عن اتفاق السلم والشراكة. وبعيد عن توقع ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة من مبادرات سياسية أو مواصلة عدوان السعودية بالطريقة سابقة الذكر، فأنه من الضروري الإشارة إلى أن أسباب توقف عملية "عاصفة الحزم" في هذا التوقيت وبهذه الطريقة المفاجئة حتى للسعوديين أنفسهم، لم تكن قرار نابع من إرادة سعودية، بل على الأرجح أتت بضغط من حلفاء الرياض قبل خصومها أو حتى الوسطاء، صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مصادر في الخارجية الأميركية أمس أن واشنطن أبلغت الرياض بعدم دعمها قراراً لبعض أمراء البيت السعودي بالمضي قدماً في توسيع العملية العسكرية، ورغبتها في حصر المعركة بالطريقة التي بدأت بها، وذلك رداً على طلب سعودي بتفتيش سفن حربية إيرانية تحركت قبل يومين من إعلان انتهاء "عاصفة الحزم"، وأضافت الصحيفة أن تنظيم القاعدة من أكبر المستفيدين من حالة غياب الدولة المركزية التي عززتها الحرب السعودية، وترجح الصحيفة أن الإدارة الأميركية ارتأت أن أي اجراء مماثل من شأنه تعقيد الموقف مع طهران في مرحلة حساسة من الشأن النووي، بالإضافة إلى كون إدارة أوباما لا تضمن رد الإيرانيين وخاصة قوات الحرس الثوري والجيش الإيراني، الذي طلب منهما المرشد الأعلى، السيد علي خامنئي، رفع حالة الاستعداد عقب تصريحات رئيس الأركان الأميركي، مارتن ديمبسي، بخصوص امكانية مهاجمة إيران حتى بعد تسلمها صواريخ إس-300 من روسيا. ذلك بخلاف أن الأخيرة وبحسب وسائل إعلام عربية وأجنبية أنها ستعمل على دعم أي تحرك إيراني يأتي كرد على مهاجمة قطعها البحرية التي تمركزت خلال الثلاث أيام الماضية في خليج عدن بالقرب من السواحل اليمنية، تلا ذلك اتصال بين الملك السعودي، سلمان عبد العزيز، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سرعان ما عُرف فحواه عندما أعلن عن انتهاء "عاصفة الحزم" من قِبل مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان أول من أعلن عن توقف الضربات الجوية "بعد ساعات" على حد قوله، وهو ما حدث بالفعل. هنا يجب الإشارة إلى خلفية الموقفين الروسي والإيراني منذ بدأ العدوان السعودي، موسكو ألتزمت حياد إيجابي تُرجم في امتناع مندوبها في مجلس الأمن بالتصويت على قرار حظر توريد الأسلحة، وهو ما فسره البعض وقتها بتخلي موسكو عن دعم طهران وحلفاءها في اليمن، إلا أن الأيام التالية أوضحت أن السياسة الروسية هدفت وبحسب ما جاء في صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا" إلى تجنب انحياز يخسرها دور راعي مفاوضات مستقبلية. أما الموقف الإيراني الذي وقف ضد العدوان السعودي من يومه الأول، فأن رفضه تطور بشكل تصاعدي وصولاً إلى التهديد بالتدخل في ساحة المعركة اليمنية، ولكن هذا التهديد تأجل في الأيام الأولى للعدوان لرؤية ما ستسفر عنه جهود محمد بن سلمان، في تكوين تحالف عسكري فعال، وبحسب ما نشره موقع "ميدل إيست آي" فأن بن سلمان صغير السن والخبرة لعوامل داخلية تخص توطيد مكانته الجديدة داخل البيت السعودي الذي شهد انقلاباً من الجناح السديري على جناح الملك الراحل، عمل على إذكاء خيار الحرب لاكتساب ثقة ومكانة يرها البعض لا تناسب مؤهلاته، فعمد إلى تكوين تحالف تبينت هشاشته بعد أيام بانسحاب تركيا ثم باكستان وأخيراً مصر من الاشتراك في أي عمل عسكري بري، وهو ما كانت تنشده طهران التي رأت أن تدخلها بشكل مباشر في أول العدوان سيوحد الجهود ضدها، فعمدت إلى تسوية مع إسلام أباد وأنقرة، وأرسلت رسائل إيجابية حذره إلى الجانب المصري، وفي النهاية ومع تفكك التحالف السعودي، جاء التلويح بالتدخل وبمساندة روسيا، ونأي واشنطن بنفسها عن الاحتكاك عسكرياً بالسفن الإيرانية، ليضع كلمة النهاية لعاصفة الحزم. أخيراً، يتبقى الموقف السعودي الرسمي بعيداً عن الإعلام، وهو كيفية معالجة اخفاق المرحلة الأولى، فالأيام الثلاثة الماضية أثبتت انه لا يوجد توقف فعلي للعدوان على اليمن، وأن ما حدث هو تقليل الضربات الجوية إلى الحد الأدنى، ويقول عادل الجبير سفير الرياض في واشنطن في مؤتمر صحفي أعقب توقف "عاصفة الحزم" أن بلاده "ستستمر بمقتضى القانون الدولي وقرار مجلس الأمن في تنفيذ عمليات قصف محددة داخل اليمن"، وهو ما يوافق ما تم خلال الأيام الماضية من استمرار قصف جوي وبحري على مناطق متعددة شمالاً وجنوباً، بالتوازي مع استنفار من أنصار الله ومسلحي الإصلاح والقاعدة استعداداً لمعركة يشاع أنها حاسمة في عدن. أنصار الله من جهتهم أعلنوا أنه يجب وقف تام لكافة أشكال العدوان براً وبحراً ورفع الحصار قبل التحدث عن أي مبادرات للحوار الذي فيما يبدو حتى اللحظة بعيد المنال، فالرياض من ناحيتها لم تحقق أي انجاز عسكري يمكنها من بدء مفاوضات من موقع القوة، وبالتالي فأنه من المرجح أن الرياض بإعلانها توقف "عاصفة الحزم" رمت إلى التقاط أنفاس وإعادة تموضع بعد اخفاق عسكري وسياسي لعمليتها التي وصفها البعض بأنها حملة دعائية أكثر من كونها حرب، وبالتالي ستشهد الفترة القليلة القادمة إعادة لسيناريو الحرب بالوكالة الذي فضلته السعودية دوماً وأجهضه الحوثيين على مدار الشهور الماضية أكثر من مرة منذ حسمهم في سبتمبر من العام الماضي. وهنا تتبقى علامة استفهام خاصة بالاعتداءات السعودية على اليمن حتى بعد انتهاء "عاصفة الحزم" رسمياً، فإلى أي مدى ستستمر هذه الاعتداءات الجوية والبحرية؟ وهل سيتطور الأمر إلى عملية برية ولو عن طريق وكلاء للسعودية؟ الدلالات المتوفرة حتى هذه اللحظة تقول أن السعودية تتجه إلى فرض معادلة ترهيب كالتي فرضتها إسرائيل على لبنان حتى حرب 2006، بتعرض روتيني للاعتداءات الجوية مع تكثيفها بشكل شبه دوري كل فترة سواء مع عملية برية أو الاكتفاء بالقصف الجوي والبحري، الفارق هنا بين الحالة اللبنانية واليمنية أن السعودية شرعت في ذلك بغطاء قرار مجلس الأمن وتواطؤ معظم الدول العربية، وهو ما قد يستوجب من القوى الثورية في اليمن وعلى رأسها أنصار الله أن تفرض معادلة ردع مماثلة للتي فرضتها المقاومة اللبنانية على العدو الإسرائيلي، خاصة في ظل تعقد سيناريو تسوية سياسية ترضي جميع الأطراف في اليمن؛ بمقولة هادي منصور التي قالها في كلمة من خلال وسائل الإعلام السعودية قبل أسبوع "أن عدم مواجهة ما يحدث من الانقلابيين (الحوثيين) سيؤدي إلى تكرار ظاهرة حزب الله".