كان الأزهر منذ نشأته منارة للعلم، ومقصد كل من يريد أن يخوض في العلوم الدينية أو الدنيوية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وبرغم أنه أنشئ في خلال فترة حكم الدولة الفاطمية، إلا أنه كان ساحة لنبذ العصبية، فكان من الطبيعي أن ترى بين جدرانه مناقشات ومناظرات بين المذاهب المختلفة وبعضها مناقشات كل هدفها البحث عن الحقيقة لا التعصب إلى مذهب بعينه، مناظرات كان الغاية منها البحث عن نقط الاتفاق وتقويتها ودعمها، فكان يجمع ولا يفرق في سبيل وحدة العالم الإسلامي بشتى أطيافه. تصنيف الأزهر وحسابه على موروثات الدولة الفاطمية جعلت منه هدفاً للدولة الأيوبية، فأغلقته بغية تحويل مصر إلى المذهب السنى وجعله المذهب الرسمي للبلاد، وحرق صلاح الدين الأيوبى مكتبة "دار العلم" التي كانت تضم مليوني ومئتي ألف كتاب، فضلاً عن عشرات الوثائق والمخطوطات المهمة الدالة على فترة حكم الدولة الفاطمية، ونجح الأيوبي إلى حد ما في قلقلة هذا التاريخ في أذهان المصريين، إبان حكمه، وبعد قرابة المائة عام، تم إعادة فتحه على يد الظاهر بيبرس متبنياً المذهب السنى كمذهب رسمي. هذا ما أجمع عليه محمود مرسي، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار في جامعة القاهرة، وزبيدة عطا الله، أستاذة العصور الوسطى بكلية الآداب في جامعة حلوان، ومحمود إسماعيل، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب في جامعة عين شمس، في ندوة عقدتها لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة في ديسمبر 2010، وأدارها الدكتور حسنين ربيع. تغير في الآونة الأخيرة الفكر الأزهري الموحد للمسلمين، وأصبح فكرا تعصبيا، وليس هذا فحسب، بل أصدر الأزهر بياناً مطلع العام الجاري يقول بعدم جواز تكفير المنتمين للتنظيم الإرهابي المسيء للإسلام "داعش" بدعوة أنهم ينطقون الشهادتين، فضلا عن طرح الأفكار الطائفية ونشرها في المجتمع المصري تارة من خلال كتابات الدكتور محمد عمارة، رئيس تحرير مجلة الأزهر، وتارة أخرى من خلال انتقاء الكتب التي تدعو للتطرف والطائفية داخل المجتمع الإسلامي، ويقوم بنشر وتوزيع هذه الأعمال كهدية مجانية مع "مجلة الأزهر" والتي لا يزيد ثمنها عن 2 جنيه، وبالتالي فهي في متناول اليد. قال الشيخ محمد عبد الله نصر، مؤسس جبهة أزهريون والباحث في علوم الشريعة الإسلامية، إن الأزهر اليوم أسيراً لدى أصحاب فكر محمد بن عبدالوهاب، ولم يكمل طريقه فى توحيد وتقريب جموع المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها على كلمة سواء، بل تعثر فى الطريق ولم يصمد أمام التفريق بين المذاهب تحت الضغوط التكفيرية الممولة، فأصبح منبرا للفتنة المذهبية بعد أن كان منبرا للتوحيد والتقريب بين المسلمين. وأضاف "نصر" أن مجلة "الأزهر" أعادت نشر كتاب "الخطوط العريضة لدين الشيعة" بعد 60 عامًا من إصدار طبعته الأولى لمؤلفه المفكر الإسلامي الراحل "محب الدين الخطيب"، ولكن هذه المرة قام بدراسته وتحليله محمد عمارة، رئيس تحرير مجلة الأزهر. ليعيد بلورته وفقًا لفهمه، حيث يقول إن الشيعة ليست مذهبا أو طائفة وإنما دين، تحالف أصحابه مع الصليبيين وهولاكو والإمبريالية الأمريكية والمسيحية الصهيونية ضد المسلمين، ويتناول الكتاب الخطوط العريضة والأسس التي قام عليها دين الشيعة الأمامية الاثني عشرية واستحالة التقريب بينها وبين أصول الإسلام في جميع مذاهبه وشعبه، ويؤكد أن الشيعة تخالف المسلمين في أصول الدين وليست الفروع، وذلك بفصل كامل بالكتاب بعنوان "لماذا نتبرأ منهم؟". كما تضمن الكتاب مقارنة بين الشيعة والشيوعية، وتحايل الشيعة على التاريخ الثابت وتاريخ العلاقة بين المجوس واليهود والشيوعية، ويتطرق الكتاب أيضًا إلى المقارنة بين الشيعة والسنة فيما يتعلق بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية وما يتعلق بالصحابة وعقيدة التوحيد ورؤية الله وموقفهم من عالم الغيب وكذا موقفهم من الإمامة أو الخلافة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالأزهر الذي قدم العديد من أبنائه على مدار تاريخه في سبيل الدفاع عن مصر ضد المحتلين، والذى كان له دوراً عظيما فى مواجهة الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، والذى كان له أيضاً دوراً كبيراً فى ثورة 1919 ومواجهة الاحتلال الإنجليزي، لم يصمد اليوم ورضخ للنظام العالمي الذى استطاع أن يغير من فكره المقاوم. من جانبه، قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث المعاصر بجامعة عين شمس: بالرجوع إلى التاريخ سنجد أن هناك دورا اسمى دفع الفاطميون لإنشاء الجامع الأزهر، وهو أن يكون قبلة المسلمين فى العالم أجمع يقبلون عليه من المشرق والمغرب لتعلم ونشر تعاليم الإسلام وللعمل على تقارب كافة المذاهب لا للتفريق بين مذهب أو التمييز بين الفئات. أكد "شقرة" أنه يتفق مع دور الأزهر فى عدم اللجوء إلى فتاوى التكفير، فالإيمان والكفر علاقة بين العبد وربه، ولا يحق لأحد أن يتدخل بها، موضحا أنه يتفق مع رؤية الأزهر بعدم تكفير "داعش" برغم ممارساتها الإرهابية والعمليات المنافية لتعاليم الدين الإسلامي، لكن الأزهر لم ينزلق لتلك الهاوية حتى لا يضطر لإعلان موقفه تجاه بعض القضايا.