لم تقتصر العشوائية على تداول الأدوية البشرية فقط، بل امتدت إلى سوق العقارات البيطرية؛ لغياب الرقابة على الصيدليات المخصصة لهذا الغرض، والتوسع في تواجدها دون استخراج تراخيص لمزاولة المهنة، مما يعكس مدى الانفلات الذي تعيشه هذه السوق المهمة، حيث إن تداول تلك المستحضرات سلاح ذو حدين، إذا أحسن استخدامها، تقوم بدورها فى علاج الحيوان، بينما الإفراط فيها قد يؤدى لتدهور صحة الحيوان والإنسان معًا، مما يحمل الدولة خسائر اقتصادية فادحة. يقول الدكتور سامي محمد الباحث، بمعهد التناسليات التابع لمركز البحوث الزراعية، إن أكثر من 80% من الصيدليات البيطرية بمصر غير مرخصة، والعاملين بها ليس لديهم خبرة في علاج الحيوانات، مؤكدًا أن هناك بعض العيادات البيطرية التي يتم صرف الأدوية بها دون أدنى رقابة، مما وسم هذه السوق بالعشوائية، لسعي من يعملون بها إلى الربح فقط، مما يتيح الفرصة للغش في المواد الفعالة والتلاعب بالأسعار، فضلاً عن غياب بعض الأدوية المهمة بالسوق، مما ساعد على انتشار عمليات تهريب الأدوية من دول عديدة. وأوضح أن خطورة الأدوية المغشوشة تكمن في التلاعب بنسبة المادة الفعالة أو استبدالها بأخرى غير مؤثرة، الأمر الذي يؤدي إلى نفوق الحيوانات؛ لعدم حصولها على العلاج المناسب. أما الاستخدام الخاطئ والعشوائي للأدوية فقد يترتب عليه وجود ألبان ولحوم بها متبقيات للأدوية، وهو أمر شديد الخطورة على صحة المواطن المصري، ولا يقل خطورة عن وجود متبقيات مبيدات بالأطعمة. وطالب بضرورة إنشاء هيئة تضم كل قطاعات الطب البيطري، لما تلعبه الأدوية من دور مهم في الحد من انتشار الأمراض، خاصة في ظل الاستيراد العشوائي للحيوانات الحية، وعدم كفاءة الحجر البيطري الحكومي في الكشف عن الأمراض والتصدي لها، وعدم وجود قانون لإخضاع المزارع للإشراف البيطري والرقابة عليها؛ للحد من الاستخدام العشوائى للأدوية، والتأكد من عدم استخدامها قبل الذبح مباشرة، بجانب أن تكون من ضمن اختصاصات الهيئة منح التراخيص والتسعير والرقابة على المصانع والشركات وأماكن البيع، وسحب هذا الاختصاص من وزارة الصحة؛ لأن الدواء البيطري يختلف عن البشرى، كما أن الصيادلة لم يدرسوا طرق استخدام الدواء البيطري والجرعات اللازمة للحيوان. وأكد الدكتور صلاح يوسف، الخبير الدولي للدواء البيطري، أن هناك ضرورة ملحة لإنشاء هيئة في مصر على غرار هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تضم متخصصين من كل الجهات المعنية، سواء فى التحاليل الدوائية أو إضافات الأعلاف الدوائية، أو منشطات النمو الحديثة، على أن يكون من يسجل لهذه المستحضرات على علم بالدساتير الدولية والمواد المنتجة حديثًا والأعراف الدوائية، وشهادات المنشأ والدراسات التحليلية، والتوافر الحيوي والدراسات الدوائية والحقلية والسمية، وأن تتوافر قواعد تسجيل متكاملة بشروط معلنة، وبالمواصفات الدولية وتطبق عليها الأحكام القانونية فى الرفض والقبول. وأشار يوسف إلى أن كل نوع من الأدوية والمستحضرات الدوائية والكيماوية له درجات من الأمان، خاصة المبيدات والمطهرات واللقاحات، وأن هناك أنواعًا من هذه المركبات تؤثر بصورة سلبية على حيوانات المزرعة الكبيرة والصغيرة وقطعان الدواجن والأسماك، لافتًا إلى أن دراسات الفاعلية والسمية تستغرق وقتًا طويلاً، ولذلك لا بد أن يكون هناك دور فعال لوزارة الزراعة متمثلاً في معهد بحوث صحة الحيوان؛ لتقوم بتلك الدراسات، لما لها من إمكانيات مادية وعلمية، إلا أنه سينتقصها الجزء الخاص بتسجيل الأدوية والتقييم الدوائي المتكامل؛ لعدم وجود العدد الكافى من المتخصصين المعنيين، ويمكن أن تحل تلك المشكلة بعمل بروتوكولات بين المعامل البحثية والجامعات. وتابع الخبير الدولي أنه لا بد من وضع نظم لضبط عمليات التسجيل والرقابة على المستحضرات البيطرية، وإنهاء الصراع بين الصحة والزراعة، وأن تعطى صلاحيات لوزارة الصناعة؛ لتتمكن من الرقابة على التصنيع بشروط التصنيع الجيد، ومنح التراخيص ودعم وزارة الزراعة لتشكيل هيئة للدواء البيطري تحت مظلة وزارة الزراعة، تضم فنيين على أعلى مستوى من البيطريين والصيادلة والكيميائيين، والاستعانة بأساتذة الجامعات، وأن تتوافر لها الإمكانيات المادية والمكان، وتضم معامل متخصصة، وأن تتولى مسئوليات التحليل والتسجيل والرقابة والتفتيش، حتى تستطيع مواجهة التجاوزات والغش وعدم الوعي في سوق الأدوية البيطرية بمصر، وضمان أن يتم التصنيع المحلي تحت رقابة جيدة وإحكام الرقابة على المستحضرات الطبية المستوردة.