يشتكي القائمون على تنفيذ العاصمة الجديدة من عدم وجود شركات في مجال الإنشاء لإنهاء المشروع في ثلاث سنوات بدلا من تسع سنوات، فينفعل السيسي، عليهم مندهشا: أين الشباب العاطل؟ أين العائدون من ليبيا واليمن؟ ثم يتبع حديثه متعجبا: وحتى إن لم تكن المهنة مناسبة فلم لا يُضحون من أجل مصر؟! فهل لا يعرف السيسي، حقا أين الشباب الذين يلاقون (ملك) الموت بسبب سياساته؛ أم أن ارتباطاته بلقاء (ملك) السعودية وملوك المنطقة لتأمين أمن الخليج وتثبيت عروشهم شغله عن معرفة أوجاع وآلام شعبه الذين لن تتسارع معدلات دخولهم فور ركوب عربيات خضار العبور أو الاستيقاظ في السادسة صباحا وركوب الدراجة السحرية، ولن تضيئ مستقبلهم لمباته الموفرة ولا سراب وعوده ومؤتمراته، ثم كيف عرف السيسي أصلا أن الشباب لا يريدون العمل في العاصمة الجديدة؛ وبالتالي سيضطر بأن يأتي بعمالة من الخارج؟! يعلن السيسي عن مشاريع عملاقة أو وهمية ويحدد لإنجازها أزمانا قياسية لا تستطيع الشركات تحقيقها ثم يباغتنا فجأة "أين الشباب"، حتى لا يسمع استفسارات مؤذية من نوعية "أين البرلمان؟" مع أنه حتى لو حسنت النوايا بأن الأهم حاليا هو إصلاح أحوال البلاد الاقتصادية ومواجهة التحديات الخِطرة التي تواجه البلاد؛ فمن المعلوم من الرخاء والتنمية بالضرورة أنه لن تنصلح مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية والفكرية إلا بوجود بيئة سياسية حقيقية، غير تلقينية أو كما قال السيسي، عن البرلمان القادم: أنا عايز قايمة موحدة في مجلس الشعب عشان ننور للناس ونقولهم انتخبوا القايمة دي؛ فينتخبوا القايمة دي! لم يعد يعرف الشباب ماذا يفعل في هذه الدنيا التي يطاردهم فيها حكامهم أينما يكونوا، ولو هاجروا إلى بلاد منهكة أم منكوبة، ففي ليبيا أصدر المسؤولون التصريحات العنترية وأتبعوها بالضربات العسكرية ولم يأبهوا بأوضاع المصريين الآدمية والأمنية هناك وهم بين أنياب ملاعين داعش، وفي اليمن أعلنا الاشتراك في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل إلا إرضاء لأصحاب الجلالة والفخامة والأُرز. ما الضير لو تركتم الشباب في حالهم وتوجهتم بمشاريعكم وحروبكم لكبار المفوضين والشرفاء من المواطنين والمهللين ليشاركوا فيها؛ ولتذهبوا لمدينتكم الجديدة وتبنوا سويا قواعد المجد وحدكم، أم أن حياتكم لن تستوي وأعينكم لن تقر إلا بمشاهدة حاملي الشهادات العليا وهم يتبارون في خدمتكم نيلا لرضاكم وأملا في أن تتعطفوا عليهم بمسحة من عطاياكم؟! وحتى لما تجرأ شباب الزقازيق وطالبوا المحافظ بأكشاك للعمل بها نهرهم متهما إياهم بأنهم متسولون ومرتزقة! فيا من تلمزون شباب مصر بكريه حديثكم، أو تعلمون أن الشباب قد وصل بهم البؤس لأن يحسدوا قطًا مصريًا هرب من الإسكندرية، وتسلل إلى حاوية لينعم ببقية عمره في بريطانيا، أو تدركون أن الشباب أصبح يتناقش بمنتهى الجدية "هل الحرية خارج السجون والمعتقلات في هذا الوطن أفضل من داخلها أم أنه لا فرق بينهما؟!" بالله عليكم حلُّوا عن الشباب ولا تنتقموا منهم في حياتهم ثم تتاجروا بشهدائهم على الحدود بعد موتهم!