مع مرور الذكرى السابعة على احداث 6 ابريل تبقى مدينة المحلة الكبرى واحدة من أهم معاقل معارضي مبارك ومهدا للثورة ضد نظامه الدكتاتور يفقد مثلت احتجاجات عمال المحلة نقاط تحول مهمة فى تاريخ الوطن، وتاريخ طويل من النضال ضد استبداد النظام السابق فقد كان عمال شركة غزل المحلة هم الشرارة الأولى ضد القمع الذى كان يمارسه نظام مبارك وأعوانه لا أحد يستطيع أن ينكر دور عمال وشعب مدينة المحلة فى إشعال فتيل أول ثورة بمصر الجميع يتذكرها بالقطع ومن الممكن أن يتم وصف ما فعله أهالي المحلة الكبرى يوم 6 أبريل 2008 بالثورة الصغيرة حينما أسقط أهلها لافتة عريضة تحمل صورة الرئيس السابق "مبارك" وداسوها بالأقدام اعتراضا عليه وعلى نظامه ، فما كان من السلطة إلا أن تعقبتهم ونكلت بهم وعذبتهم وحاصرتهم وتنكرت لشهدائهم كان إضراب 6 أبريل عام 2008 ضد الغلاء والفساد والذي جاء تضامنا مع إضراب عمال شركة المحلة في ذلك اليوم هو القشة التي قصمت ظهر البعير حيث تحول الإضراب من دعوة إضراب عمالى لعمال شركة المحلة إلى إضراب عام في مصر بعد تبني بعض المدونين وبعض النشطاء آنذاك الفكرة عرفوا فيما بعد بحركة شباب 6 أبريل وحركة كفاية وبعض الأحزاب المعارضة في مصر. وتحول الإضراب في مدينة المحلة الكبرى إلى أحداث شغب كبيرة عرفت إعلاميا بأحداث 6 أبريل ، أو أحداث المحلة ، شملت هجوم على أقسام ومراكز الشرطة وتدمير جزء من المدينة وإحراق مبانى وعمليات سلب ونهب بشكل عشوائى. وكانت مطالب الإضراب الذى كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى وعزيمة الشعب المصري تتضمن زيادة المرتبات وتحسين خدمات المواصلات العامة والمستشفيات وتوفير الدواء ومحاربة رفع الأسعار والمحسوبية ومحاربة الفساد والرشاوي. فى عام 2006 انطلقت أولى الإضرابات العمالية بمدينة المحلة عقب فترة ركود طويلة نسبيا فى الحركة العمالية، فقد كان آخر إضراب عمالى ضخم قبل هذا التاريخ هو إضراب عمال شركة غزل كفر الدوار فى سبتمبر 1994، والذى واجهته قوات الأمن بعنف شديد وفضته بالقوة وسقط فيه ثلاثة من أهالى كفر الدوار برصاص الأمن المركزى وهى كانت وسيلة معتادة لقوات الأمن المركزى فى ظل الدولة البوليسية للتعامل مع الإضرابات العمالية فى مصر وهنا تحديدا شكل نقطة تحول التى أحدثها إضراب المحلة فى ديسمبر 2006، والذى استمر لثلاثة أيام واضطرت الحكومة إلى التفاوض مع العمال وتنفيذ مطالبهم التى تلخصت فى صرف مكافأة سنوية بواقع أجر شهرين تحت بند الأرباح، وبعد هذا الإضراب أصبح التفاوض مع العمال المضربين وتنفيذ مطالبهم أو جزء منها أو حتى التعهد بتنفيذها هو القاعدة فى تعامل الدولة ورجال الأعمال مع الإضرابات العمالية بعدها ظهرت موجة من الإضرابات العمالية شهدتها مصر على مدار أكثر من نصف قرن، افتتح عمال غزل المحلة مرحلة جديدة فى النضال العمالى فى مصر بإضراب 2006 لم تتميز فقط بحجم الإضرابات وعدد العمال المضربين، ولكنها تميزت أيضا بطول فترة الإضرابات فعدم استخدام القمع والاتجاه للتفاوض جعل فترة الإضراب أطول مما أظهر إمكانية لظهور حركات تضامن مع الإضرابات خاصة بعد تخلى النقابة الرسمية التابعة للدولة عن إضراب العمال ووقوفها إلى جانب الإدارة ومحاولة العمال سحب الثقة منها وإقالتها دون جدوى لحماية البيروقراطية النقابية لها وبحسب إحصاء لاتحاد عمال الصناعة الأمريكى شهدت الفترة من 2005 حتى 2009 دخول أكثر من مليونى عامل فى إضرابات وهو المعدل الذى تزايد بشكل ملحوظ فى السنوات التالية على هذا الإحصاء. وكانت تلك المرحلة تحديدا نقطة التحول التالية فالإضراب التالى لعمال غزل المحلة كان فى سبتمبر 2007 وكان فى شهر رمضان، واستمر لمدة أسبوع كامل للمطالبة بتحسين الأجور وأوضاع العمل وإقالة الإدارة الفاسدة للشركة المملوكة للدولة على مدار هذا الأسبوع بعد طرد أعضاء النقابة الرسمية من الشركة فكان لابد من وجود لجان عمالية لحماية المنشآت والمعدات حتى لا تقع أى مؤامرات للتخريب وإدانة العمال من خلالها، كذلك وجود لجان للتفاوض وتجديد المطالب بالتشاور مع العمال. عقب إضراب موظفى الضرائب العقارية فى سبتمبر عام 2007 والذى أعقب إضراب غزل المحلة عام 2007 تم تأسيس لجنة لقيادة الإضراب منتخبة من المحافظات المختلفة ومثل فيها جميع المضربون بشكل ديمقراطى، وأوكل لتلك اللجنة تنظيم الإضراب وإجراء المفاوضات واتخاذ القرارات بعد التشاور مع المضربين، وبعد النهاية الناجحة للإضراب وفى نهاية ديسمبر 2007 اجتمع العمال ليقرروا مصير لجنة قيادة الإضراب، وكان القرار هو تحويلها لنقابة مستقلة والانسحاب بشكل جماعى من النقابة الرسمية الموالية للدولة هكذا انطلقت حركة النقابات المستقلة فى مصر، والتى اتسعت اليوم لتشمل أكثر من مائتى نقابة وكان لخبرة عمال غزل المحلة تأثيرا حاسما فى بدايتها الخطوة التالية لعمال المحلة بعد الإعلان عن انعقاد المجلس القومى للأجور المنوط بها مناقشة قضية الحد الأدنى للأجور وتحديده، فبعدما كانت مطالب الإضرابات والاحتجاجات العمالية قاصرة على المطالب المباشرة الخاصة بعمال شركة أو مصنع أو موقع عمالى بعينه، ولم تظهر إضرابات أو احتجاجات ترفع مطالب عامة تشمل أوضاع العمال ككل أو حتى صناعة أو قطاع عمالى، فى السابع عشر من فبراير 2008 خرجت مظاهرة ضخمة من عمال غزل المحلة ضمت أكثر من عشرة آلاف عامل لرفع مطلب واحد فقط وهو الحد الأدنى للأجور لكل عمال مصر، وطالب العمال بأن يكون هذا الحد الأدنى 1200 جنيه شهريا، فقد اعتمد العمال فى تحديد الحد الأدنى للأجر على خط الفقر الأعلى المقرر دوليا وهو دولارين فى اليوم، واعتبروا أن الحد الأدنى هو ما يكفى أسرة مكونة من أربعة أفراد عند خط الفقر الأعلى وبسعر صرف الدولار ساعتها كانت تساوى 1200 جنيه. وهذا المطلب تحديدا الذى رفعه عمال غزل المحلة فى مظاهرتهم تحول إلى الشعار الناظم للحركة العمالية فى أغلب الإضرابات سواء فى القطاع العام أو الخاص أو الحكومة وأصبح من المعتاد أن يرفع عمال النقل العام مطالبهم الخاصة بهم إلى جانب المطالبة بالحد الأدنى للأجور لكل عمال مصر. ولكن المفارقة الحقيقية فى مسيرة نضال عمال المحلة الكبرى إضراباتهم التى تعتبر الأكثر تأثيرا هو الإضراب الذى لم يحدث إضراب السادس من أبريل 2008، الصعود المتتالى للحركة العمالية فى تلك الفترة والانتصارات التى كانت تحققها الإضرابات لفتت انتباه القوى السياسية المختلفة لأهمية وتأثير الحركة العمالية، خاصة مع تراجع حركة الإصلاح الديمقراطى عقب تعديلات الدستور وانتخابات الرئاسة فى عام 2005 لذا تلقفت الحركات السياسية فى مصر إعلان عمال المحلة عن نيتهم الإضراب فى السادس من أبريل 2008 لتعلنه موعدا للإضراب العام فى مصر حتى حركة شباب 6 أبريل بدأت للدعوة لتأييد الإضراب العام فى الموعد الذى قرره عمال المحلة. ورغم ما بذلته أجهزة الدولة من جهود لمنع عمال المحلة من الإضراب، حيث تواجدت فى صباح يوم الإضراب أعداد كثيفة من الأمن داخل الشركة لمنع أى تجمع عمالى ولو لعدد محدود ولاصطحاب العمال من البوابات حتى أماكن عملهم، ورغم نجاح أجهزة الأمن فى إجهاض الإضراب عبر استعدادات أمنية غير مسبوقة، لكن خرجت المفاجأة أن انتفاضة شعبية انفجرت فى مدينة المحلة نفسها، وللمرة الأولى حطمت المظاهرات الغاضبة صور مبارك المعلقة فى الشوارع والميادين بالمدينة، وكانت المواجهات الأكبر والأعنف بين قوات الأمن والمظاهرات الشعبية قبل ثورة يناير ورغم حاله القمع الوحشى لم تهدأ المظاهرات حتى توجه رئيس مجلس الوزراء أحمد نظيف للمدينة فى صحبة وفد وزارى كبير وتعهد بطرح سلع مدعومة فى المدينة وضخ استثمارات فى شركة غزل المحلة وعدد من التعهدات لامتصاص الغضب الذى اعتبره الكثيرون فيما بعد الإشارة الأولى للثورة التى ستنفجر بعد اربع سنوات على نطاق أوسع وتجبر مبارك على ترك السلطة وكان لنضال عمال المحلة الكبرى نصيب الأسد من إشعال فتيل ثورة 25 يناير حيث كانت لإضراباتهم ووقفاتهم الاحتجاجية ومطالباتهم بحقوقهم أكبر الأثر فى زحزحة الحجر الصوان الذى كان يمكث على صدور المصريين منذ عشرات السنين