لقد بان لكل ذي لب ضيق أفق كل من حصر السيسي، في اشتراكية ناصر، أو دهاء السادات، أو روتينية مبارك، ووضحت الآن للعيان الشخصية المستقلة للسيسي، وذكاؤه المتفرد وحكمته في النهل من معين كل رئيس بما يناسب المرحلة الحالية. فالرجل أعلن في مؤتمر دافوس أنه معجب بعبقرية السادات في تحقيق سلام بين مصر وإسرائيل لم يتوقعه أحد في العالم وقتها، بل يتمنى السيسي أن يكمل مسيرة صاحب كامب ديفيد ليرسل رسالة للعالم كله –على حد قوله- بأنه إذا حققنا سلاما بين فلسطين وإسرائيل وشجعنا عليه، سيتغير واقع المنطقة ويتحقق الاستقرار، ويتم قطع الطريق على الفكر المتطرف! ولكن خيار السلام لا يعني لصاحب "مسافة السكة" أنه لا يملك وسيلة أخرى للدفاع عن أمن الخليج –طبعا- الذي يعتبره خطا أحمر لا يجب التهاون فيه، بينما كرامة المصريين المهدرة في الداخل قبل الخارج خط وهمي لا لبس فيه، وحق الأجيال القادمة في مياه النيل والتنازع على أهم موارد الحياة أمر كمالي لا يحتاج للعنترية أو القتال عليه؛ لذا كان تأسيه بعبد الناصر، في حربه في اليمن لا تخطئها عين، بيد أن عبد الناصر، كان حاضرا في حرب اليمن باعتباره منتهجا فكرا ثوريا متمددا -سواء اتفقنا أو اختلفنا عليه- يقضي بمحاربة الأنظمة الملكية والتي كان يطلق عليها النظام الناصري وقتها "الأنظمة الرجعية"، أما السيسي فيخطو خطواته العسكرية ويأخذ قراراته السياسية تبعا لمزاج ومواقف حكيم العرب وأولياء عهده الحكماء من بعده. أما أنت أيها المواطن الشريف، فواجبك الوطني معروف، ودورك محفوظ، فلتستيقظ فجرا على قرار حرب –لا ناقة لنا فيها ولا جمل- يتخذه السيسي، من دون برلمان أو اجتماع مجلس وزراء أو أي نقاش سياسي حتى لشعب القناة الأولى تلوك به ألسنة المصفقين والمطبلين، ولكن ما عليك إلا أن تبرر تحرك جيشك في أي حرب يتخذها السيسي، حتى لو كنت ممن يرددون كل ساعة أن مصر بحالة حرجة لا تحتمل معها أي إضربات أو اعتصامات أو حتى وقفات صامتة، فقط يجب عليك الآن أن ترفع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي تقف فيها كتفا بكتف مع قطر وتركيا وتنظيم القاعدة"، مع أنك كنت دائما مع الرصين حسني مبارك؛ فقط لأنه لم يدخلنا حروبا تجر علينا خيبة ودمارا، ولم يتدخل في شؤون دول أخرى، بل كان الأقصى يُدنس والحرمات تُنتهك وغزة تُدك بالصواريخ والقنابل الفسفورية وجنودنا يقتلون على الحدود بنيران الصهاينة؛ ولم نسمع لكم صوتا إلا تخوينا لأهل فلسطين وتهليلا لغلق معابرهم وحصار أهلهم! فما بالكم واليمن لم يتعرض لاحتلال خارجي أو حصار دولي، ولكن ماذا نفعل فيمن ارتضى لنفسه أن يسير في ركب القطيع؟! أما بعض الإسلاميين في مصر، فقد أصبحوا في مأزق لا يحسدون عليه، فهل يقفون اليوم مع من وصفوهم بالأمس بأنهم شر أنجاس الأرض، لذا ربما كانت أحاديث النفس لبعضهم بِتَمَّنى نجاح الضربات العسكرية ضد اليمنين ولكن من غير انضمام الجيش المصري لهذا التحالف حتى يصطفوا وراء هذه الضربات بتأييد براجماتي كامل؛ ودق للأسافين، وكيف أن السيسي، خذل إخوته العرب السنة المجاهدين في حربهم المقدسة تلك، مطعمة بتحليلات سياسية عميقة من عينة أن "أم السيسي إيرانية مجوسية تعبد النار، وأعمامه الحوثيين المنشأ لا تفارق الخناجر جيوبهم"! ولكن بعد مشاركة الجيش المصري بحريا وجويا، ماذا لو عارض الإخوان الحلف الأمريكي الخليجي معارضة واضحة قوية؟ فلربما يغضب وقتها أمراء الحرب والطائفية على الإخوان، والذين يغرون طواغيت تلك البلاد "بأننا البديل الأنسب والأجهز لإقامة الهلال السني "السعودي –القطري –التركي" قبالة المشروع الإيراني، بدلا من أولئك الذين يبتزون دولكم ويحتقرون شعوبكم، ثم يأخذون منكم "فلوس زي الرز".