39 عاما مرت على يوم الأرض الذي يتذكر فيه الفلسطينيون شهدائهم الستة وجرحاهم جيدًا، ومهندس ملحمتهم الشاعر والمناضل الفلسطيني توفيق زياد وأنشودته الخالدة "أناديكم أشد على أياديكم"، حينها قرر أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي هي قرار الشعب، ووقف مؤذنا في مواجهة المتخاذلين بانطلاقة يوم الأرض في الثلاثين من مارس 1976. درس صاحب الأربع عشرة مجموعة شعرية في مدينته الناصرة، التي تولى فيما بعد رئاسة بلديتها لفترات طويلة، وانتمى إلى الحزب الشيوعي (راكاح) الذي كان قد انتسب إليه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وسميح القاسم، وانتخب لدورات عديدة ممثلا لفلسطينيي الداخل في الكنيست الإسرائيلي. انتصاره بقيادة انتخابات بلدية الناصرة في 9/12/1975م ووصوله لرئاسة بلدية أكبر مدينة عربية في البلاد كان له تأثيراً كبيراً على دور وعمل لجنة الدفاع عن الأراضي، والتي كانت في طور التكوين، وهي التي اتخذت القرار الأول بإعلان الإضراب العام في اليوم المشهود، والذي تبنته فيما بعد لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، إلّا أن تركيبة لجنة الرؤساء، وارتباط الغالبية الساحقة منهم بسلطة الاحتلال الصهيوني وأحزابها، شجع المسؤولين الصهاينة في الحكومة لاستعمال هذه اللجنة كأداة لتغيير قرار الإضراب. وبالفعل عقدت لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية اجتماعاً لها في بلدية شفاعمرو في 25/3/1976م لاتخاذ قرار بإلغاء الإضراب، عندها انبرى لهم توفيق زيَّاد رئيس بلدية الناصرة، يسانده عدد قليل من الرؤساء، معلناً أن الشعب قد قرر الإضراب ولن يقوى أحد على إلغائه. هب الشعب الفلسطيني بأكمله في إضراب عام، ونضال شعبي مشروع هَدَفَ إلى إسماع صرخة احتجاج على هذه المؤامرة الجديدة، وفي نفس الوقت، التعبير عن تمسّك الإنسان العربي بحقه في الحياة والتطوّر على أرض آبائه وأجداده وفي وطنه الذي لا وطن له سواه، ودفاعاً عن ما تبقى له من أرض، في وجه الهجمات المتجددة. توفيق زياد عانى مرارة اليتم صغيرا وتفتحت عيناه على أم كان يشم رائحة خبزها طازجا، تاركة صورتها وولع بأغنية سيد درويش "الحلوة دي بتعجن في الفجرية"، للذي أصبحت أشعاره فيما بعد أغاني تشد أزر المقاومين وتبعث رسائل أمل عن الفلسطيني المغروز في أرضه كما سنديانة. درس الأدب السوفياتي في موسكو مكملا دمج السياسة بانتمائه الشيوعي بالأدب، وفي دراسته تلك اطلع الشاعر زياد على روائع الأدب الروسي مترجِما فيما بعد العديد منها، مضيفا إلى ترجماته نقل إبداعات الأديب ناظم حكمت إلى العربية، ولدى عودته لم ينقطع عن النضال من أجل حقوق شعبه، قارنا مقولاته الشعرية بممارسات نضالية على الأرض غير متوقف عن فتح عينيه واسعا على معاناة شعبه الفلسطيني في الشتات، خاصة وأنه تم الاعتداء عليه في إضراب صبرا وشاتيلا 198، كما تعرض للاعتداء في إضراب عام 1990، وفي إضراب مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994، وفي مرات كثيرة أصيب أفراد عائلته وضيوفه بالجراح جراء الاعتداءات، غير أن أبشع الاعتداءات كان في مايو 1977 قبيل انتخابات الكنيست، إذ جرت محاولة لاغتياله نجا منها بأعجوبة. مثلت الوقفة الملحمية له في يوم الأرض استمرارا لنهج ملتزم عانى فيه عبر سنواته الخمس والستين كل صنوف الاعتداء من المحتل، ونجا من محاولات اغتيال ودهم لبيته، لكنه ظل وفيا لوعده "هنا باقون على صدوركم كالجدار"لم تكن وقفة زياد في ذلك اليوم نشازا في مسيرة مثقف فلسطيني وعد المحتل بالموت على أرضه وفعل، وأعطى للمقاومة أدبها إلى جانب محمود درويش وسميح القاسم. ولد صاحب "هنا باقون" في السابع من مايو 1929، ورحل في حادث سير عام 1994، تاركا وراءه إرثا نضاليا طويلا وأدبا رسخه في قائمة مبدعي فلسطين.