«إن الشمس والقمر آياتان من آيات الله لا تخسفان لسجن أحد أو براءته»، هى كلمات لن أتعجب أبدًا إذا ما قد تلفظ بها أى شخص بعد خسوف شمس اليوم التالى لبراءة حبيب العادلى، آخر المحبوسين من ريحة 25 يناير، وحبس الطالبة إسراء ماهر، سنتين عسكريا مع العشرات من زملائها – عبارات لا أستبعد أن تصدر – ممن يرون أننا ما زلنا نسير فى الطريق المدنى الديمقراطى الاجتماعى التقدمى التحررى التوسعى، وما كنا نسخر منه بالأمس من هذيان الفنانيين، وتظاهرات اللاعبين، وصراخ المتصلين، ولكلكة المذيعين، وتنظير الجهلاء والتافهين، أصبح الآن واقعا عمليا ومنهج قُضاة.. قضاة لا يرون خطرا على مصر غير حماس، ولا تهديدا لأمن أم الدنيا واستقلاليتها إلا من المقاومة الفلسطينية «الإرهابية»، ومن ثم كان الحكم بإحالة أوراق ثمانية متهمين من الدقهلية إلى مفتى الجمهورية، تمهيدا لإعدامهم بتهمة تلقى دورات عسكرية على يد كتائب القسام! وفى نفس الوقت يتم تبرئة سامح فهمى المسؤول عن ضياع مخزون مصر من الطاقة من أجل عيون الصهاينة! فهل زيارة أهل غزة ومحاولة كسر الحصار عليها تآمر؟!، وهل لقاء رموز المقاومة هو إرهاب وتخابر؟! بينما لا أحد يتوقف أمام تصريحات الجنرال السيسى ل«واشنطن بوست» بأن سماح «إسرائيل» لنا بزيادة القوات فى سيناء لهو أمرٌ جميل الأثر فى تعزيز الثقة بين البلدين. هل سنستمر فى الكيل بمكيالين، وعدم النظر إلا بعين واحدة، فيصبح خطاب مرسى، العاطفى لشيمون بيريز، هى جريمة كبرى فى حق القضية الفلسطينية، وخيانة عظمى للدماء المصرية التى أريقت فى أرض سيناء، أما اتصالات السيسى التليفونية المتواصلة مع «رجل السلام» نتينياهو، فهى من باب البروتوكولية اللولبية، والعمل على تسوية القضية الفلسطينية بباطن القشرة الأرضية، وتعزيز لأدوار مصر الوهمية فى السياسة الإقليمية! مع أن القاصى والدانى يعلم جيدا أن الدور الوحيد المؤثر لمصر فى الساحة الدولية هو دور محمد صلاح، فى فيورنتينا الإيطالية، وانظر إلى اهتمام المصريين وشغفهم ومؤازرتهم للاعب كرة – فرَّ بموهبته وطموحاته من هذه البلدة الوائدة لأحلام شعبها – من على المقاهى والنوادى ومتابعتهم لآخر أخبار انتقالاته، ثم تابع شغف المصريين بمؤتمرات الدولة الاقتصادية والسياسية وحركات المحافظين والوزرات والتنقلات لتعرف أن صانع بهجتهم هو محمد صلاح وفقط، أما التصريحات الرسمية الإيجابية والقرارات الاقتصادية التفاؤلية فهى كلمات تخرج من أفواه المسؤولين لا تتجاوز حناجرهم، إن لم تكن سيفا مسلطا على رقاب البسطاء والفقراء والمحرومين وكل من عارض النظام ولو بشطر كلمة. من الممكن أن تخدع شعبك بعض الوقت بأن الأمن أهم من لقمة العيش، وأن الحرية لا قيمة لها أمام المؤامرات الكونية، وأن الإسرائيلى أقرب رحما وأصدق عهدا من المقاوم الفلسطينى، وأن من علامات عدل القضاء أن يكون أسدًا على المعارضين ومع النظام نعامة، وأن الانبطاح فى السياسة الدولية والتسول فى العلاقات الاقتصادية دليل عزة نفس للقيادة المصرية، لكن من الأفضل أن تعدوا جوابا بعد اتساع دائرة ظلمكم وبغيكم وتدحرج كرة الثلج المستمرة لتمس أغلب أفراد شعبكم.