تصوير : محمد حكيم عقودا من القهر والإذلال ذاقتها مصر، تعمقت في محافظات الصعيد، على عمد المستعمر الإنجليزي، أخذت تتراكم، حتى نُفىَ سعد زغلول، لتؤجج ثورة عارمة، قدم خلالها أهالي المنيا ملحمة سطرت بطولات تتحاكى وتتوارث، اختلفت في أحداثها ونتائجها عن كافة أرجاء الجمهورية فكان القتل حدث والإعدام نتيجة. يقول الأمين العام المساعد لجامعة المنيا سابقًا وحفيد الدكتور خليل أبو زيد، زعيم ثورة 1919 بالمنيا، رفعت مهنى، إن شعب المنيا ذاق مرارة الاستعمار أكثر من غيره، وكان المستعمر يجمع المحاصيل دون مقابل، وحال اعتراض الأهالي كان يحرقها، إلى جانب اعتماده نظام الجهادية وترحيل الشباب إلى خارج البلاد جبرًا، فالحروب التى كان يخوضها داخل مستعمراته، ويضيف إن معاملة المستعمر كانت أشد قسوة حيث الهجانة التى تعاقب كل من يخرج من منزله بعد السابعة مساءا. ووصف حفيد خليل أبوزيد الدكتور محمد العربي، الاستعمار الإنجليزي على أنه أسوء استعمار في العالم وأشد استعمارا شهدته مصر. ويضيف جمال الدين راغب جمال، مدير عام مديرية الشباب والرياضة سابقًا وحفيد خليل أبوزيد، بأن حادثة اعتقال ونفي سعد زغلول أججت مشاعر الملايين وكانت بداية شرارة الثورة، وقد دعت أهالي ديرمواس بالمنيا إلي الاجتماع بمنزل عمدة قرية ديرمواس وقتها "أبوزيد" لتباحث الأمر. وعن الاجتماعات والترتيبات السابقة لانتفاضة أهالى المنيا المنطلقة من ديرمواس، يقول رفعت مهني إن الأهالي طلبوا من الدكتور خليل أبوزيد باعتباره متحدث للإنجليزية أن يلتقي المندوب السامي البريطاني في القاهرة لطلب العفو عن سعد زغلول مقابل ضمان عدم الاحتجاج ضد الإنجليز، ولكن لم يستجب المستعمر لطلبه، وعرض عليه منصب رفيع برغم صغر سنه 28 عاما وقتها، مقابل إخماد ثورة الأهالي، غير أن خليل الذي تلقي تعليمه في بلادهم رفض ذلك. ويكمل..عاد خليل إلي أهل بلدته وقص عليهم ما حدث معه، وبدئوا يتباحثون سويا في آلية الرد، وقرروا قطع خطوط السكك الحديدية والاحتشاد بأعداد كبيرة أمام القضبان لتوصيل رسالة للإنجليز معبرة عن غضبهم، بصورة سلمية دون عنف. وتابع..بعد عدة اجتماعات داخل قصر العمدة ومسجد أولاد محمود توصل الجميع للتنسيق مع محطة مديرية أسيوط، حيث كانت مديريات لا محافظات، وأبلغهم مدير المحطة بأن قطار الإنجليز سوف يتحرك يوم 17 مارس من أسيوط في طريقه للقاهرة، غير أنهم أبلغوه بضرورة تأخير القطار ليوم 18 مارس، وبالفعل تم تحرك القطار في ذلك اليوم، وقبل وصوله لمركز ديرمواس قطع طريقه ثوار مركز ديروط، غير أن القطار لم يتوقف، ولكن أجبره ثوار ديرمواس علي التوقف، حيث كان 4 آلاف متظاهر أمام القضبان. واستطرد..لما توقف القطار ورأي مفتش السجون الإنجليزية بوب حشدا رهيبا، سمح للدكتور خليل أبوزيد للتحدث معه، لكنه تكبر علي سماع الأهالي وأن يعدهم ولو مجرد وعدا زائفا بتنفيذ مطالبهم، بل وأشهر السلاح في وجوههم، فما كان من الأهالي سوى الانقضاض عليه وجنوده وضباطه وقتلهم. ويروي أحمد جمال راغب أحد أحفاد زعيم الثورة إن قصر عمدة القرية ومسجد أولاد علي أماكن باتت تاريخية لأنها كانت نقطة انطلاق الثورة ومواقع اجتماع الثوار، بالإضافة للنصب التذكاري بمدينة ديرمواس، حيث مكان احتشاد الأهالي استعدادا لملاقاة قطار الإنجليز. ويكمل .. ديرمواس كانت ملهمة لباقي مراكز المحافظة التي انتفضت بعدها وفي نفس اليوم ضد الإنجليز، لما شهدته من أحداث تظاهرات واحتجاجات وعقد مؤتمرات، وتوقيف إمدادات الإنجليز القادمة من القاهرة إلي المنيا.