أعلنت حديقة حيوان الجيزة وفاة الشمبانزي "موزا" وتدهور الحالة النفسية لرفيقته "كوكو" في القفص، بينما في الكوكب الموازي "للحيوان الناطق" وبعد حرق البشر واغتصاب الحريات وإعدام المظلومين وبراءة المجرمين ما زال الكثير من الثوار ممن توهموا أنهم سيكونون جسرا يعبر به الشعب إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في 30 يونيو؛ فإذا بهم كوبري تمتطيه الثورة المضادة ثم يلقى بهم في السجون أو القبور، ما زال هؤلاء المعتزون بكل خياراتهم الخاسرة يترفعون عن اتهام أنفسهم بالتقصير لينتهجوا نهج التبرير، وهم من كانوا بالأمس يسخرون من الإسلاميين لولوجهم هذا الطريق، ولعل البعض يغضب من التفتيش في أخطاء الماضي وإبرازها على مسرح الأحداث إلا لو كانت تحمل رؤية ثاقبة لهم أو تحمل لهم النصر، أما غير ذلك فالتسريبات مفبركة فإن لم يكن مفر من صحتها فشرف لنا –كما قال أحدهم- أن نكون مطية في أيدي مخابراتنا الوطنية؛ فالمهم أن يحيا الوطن ولو على جثة المواطن. ولعلي أتفهم بعض الشيء من أخذته العزة بالإثم ومنعه العناد أو الخوف أن يقول كلمة الحق في وجه حاكم جائر، أما الجملة الأخيرة تلك فلم أعد أتعامل معها بأي جدية؛ فهل هناك وطن بالفعل نعيش فيه بل ويحوي هذا الكم من العقليات المخترعة والتي لا يضاهيها في كثرتها إلا عدد ساعات تسريبات كبار الدولة، وطن يعِدُنا رجاله ببناء مفاعل نووي وفي نفس الوقت لا يوجد في أكبر قاعة مؤتمرات به جهاز إنذار للحريق أو أي كاميرا للمراقبة بداخل القاعة أو خارجها. وطن به ثلث آثار العالم، لكنه يرمم آثاره بالصمغ، ويشجع السائحين على زيارة مصر عبر كليب يسوِّق مصر كوطن "للشقط" من على الكباري والمراكب وفي الملاهي والشوارع، ثم يغضبون من تصوير فيلم إباحي في أحضان الأهرامات، ومن ثم يقرر صناع كليب "مصر قريبة" عمل أجزاء أخرى نظرا للنجاح الرهيب! وأعتقد لو استمر نفس فريق العمل فلربما روجوا للسياحة بصورة لتمثال "إيزيس" لا لأنها تحمل مفتاح الحياة -كما يعتقد الفراعنة- ولكن لأن التمثال ذات"قرون". بالطبع لا تُحل مشاكل السياحة في مصر بهذه السذاجة، كما لا نحتاج زيادة نسبة العري فى التليفزيون لتخفيف الكبت عند الشباب كما يرى قاهر الإرهاب "لطفي لبيب"، وبالتالي يتم تكريم المنتج محمد السبكي على إسهاماته في توعية المجتمع من خلال أعماله "الهادفة" من قبل نادي ليونز القاهرة! وطن يصنف "حماس" كحركة إرهابية معادية بينما إسرائيل دولة صديقة موالية، وطن ينصب وزير داخليته رسولا من عند الله لأنه قتل الآلاف من الإخوان، ثم يُقال من منصبه بعدها بأشهر لأنه "طلع من الإخوان"، وطن يبرئ حبيب العادلي، وأحمد نظيف، لحسن نيتهما وجهلهما بالقوانين، ويحبس آلاف الشباب والبنات والشيوخ احتياطيا بلا أي تهمة معيبة، وطن تُختصر العلاقة فيه بين المواطن والسلطة إلى الرعب والأمل في تركه حيًّا وليس شهيدا في طوابير الأنابيب أو قطارات الموت، ليس وطنا نعيش فيه بل وطن نُقهر كمدًا فيه.