تزامنا مع دخول المفاوضات النووية الإيرانية مرحلة حاسمة، وتأكيد أطراف المحادثات أن الاتفاق أصبح قريب جدًا، بدأت السعودية في التحرك للبحث عن حليف يمثل لها الحامي من التهديدات العسكرية والسياسية التي تتخوف منها بعد إبرام الاتفاق النووي، وتحقق الرياض من خلاله التوازن الإقليمي في القوى مع إيران، التي ترى السعودية أنها تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة من خلال تقوية قدراتها التسليحية والسعي لامتلاك القدرات النووية. أجرى العاهل السعودي "سلمان بن عبد العزيز" الأربعاء الماضي محادثات في الرياض مع رئيس الوزراء الباكستاني "محمد نواز شريف" الذي وصل إلى العاصمة السعودية الرياض في زيارة للمملكة تستغرق 3 أيام هي الأولى منذ تولي الملك "سلمان" العرش. العلاقات بين باكستان والسعودية قد تم بناءها على أساس المصالح الأمنية المشتركة، ويعود تاريخها إلى السبعينيات من القرن الماضي عندما أوجدت الطفرة النفطية السعودية فرص عمل لعدد كبير من الباكستانيين، وقد عمقت إسلام اباد علاقتها مع الرياض في السنوات التي تلت ذلك من خلال تلبية بعض الاحتياجات الأمنية الداخلية في المملكة العربية السعودية. تطورت علاقة الدفاع بين السعودية وباكستان خلال السبعينيات من القرن الماضي، عندما أرسل الحاكم العسكري الباكستاني الجنرال "ضياء الحق" آلاف الجنود لمهام الأمن في المملكة بعد قيام الثورة في إيران عام 1979. في الثمانينيات، من القرن الماضي، حرص السعوديون على إبقاء القوات الباكستانية وهذا ساعد في مواجهة التهديد الإيراني للسعودية، وقال حينها جنرال باكستاني سابق عمل في المملكة، "بالنسبة للسعوديين، فإن العلاقة مع باكستان ضمان ضد المعارضة الداخلية والتهديدات الخارجية"، وفي أوائل عام 2014، قدمت السعودية 1.5 مليار دولار لباكستان لدعم الاحتياطيات الأجنبية للبلاد بعد زيارة لإسلام آباد من ولي العهد آنذاك الأمير "سلمان". مؤخرًا وبعد بدء مفاوضات الملف النووي الإيراني وقرب توقيع اتفاق، لاحظ مراقبون عسكريون أن السعودية تتجه إلى إعطاء العلاقة مع باكستان المزيد من الاهتمام والقوة، وهذا ما تؤكده زيارة رئيس هيئة الأركان الباكستانية الجنرال "رشيد محمود" الأخيرة إلى الرياض، حيث كان أول مسئول بعد الرئيس الأمريكي "أوباما" يلتقيه الملك "سلمان" بعد انتهاء زيارات العزاء في العاهل الراحل الملك "عبد الله بن عبد العزيز". اجتماع القمة السعودية الباكستانية الذي احتضنته الرياض يأتي وسط معلومات شبة مؤكده تشير إلى تعزيز الدعم السعودي لباكستان لتطوير قدراتها النووية وصناعاتها العسكرية، لاسيما برامج تطوير الصواريخ الإستراتيجية وصناعة الطائرات العسكرية، حتى تكون هذه القدرات تحت تصرف المملكة في حالة امتلاك إيران للأسلحة النووية، فتمويل المملكة للبرنامج النووي الباكستاني يعني أنها تمتلك التكنولوجيا النووية ولكن ليس على أراضيها. أكدت الرياض مرارًا أنها لا تهدف إلى امتلاك أسلحة نووية لكن الأنباء الأخيرة عن إرسال السعودية دفعة من المال لباكستان لشرائها مجموعة من الصواريخ النووية، على أن يتم تسليمها حين تمتلك إيران مثل هذه القدرة، ينفي تأكيدات السعودية عن عدم سعيها لامتلاك الأسلحة النووية، وفي هذا الصدد وقعت الرياض اتفاقية مؤخرًا مع كوريا الجنوبية للحصول على مفاعلين نوويين كوريين. تزامنت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني مع زيارة وزير الخارجية الأمريكية "جون كيري" إلى الرياض، لكن بالرغم من أنها تتفق في المكان والتوقيت إلا إنها تختلف في الأهداف، فزيارة "جون كيري" تأتي في إطار محاولة أمريكية لطمأنة السعودية بأن الاتفاق النووي لن يمس مصالحها أو أمنها، لكن هذه المحاولة جاءت بعد أن فقدت السعودية الثقة في أمريكا وبدأ جفاء العلاقات بين الرياض والبيت الأبيض وهو ما جعل حكام السعودية يولون وجوههم باتجاه باكستان. على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت المملكة العربية السعودية في تباعد متزايد عن الولاياتالمتحدة، فقد رأت السعودية في دعم أمريكا لخلع "حسني مبارك" من السلطة في مصر، وقبولها لحكومة الإخوان المسلمين لاحقًا خيانة لها، ثم جاء امتناع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن فرض خطه الأحمر في سوريا من خلال تدخله العسكري هناك، غير أن دعم أمريكا الاتفاق المؤقت الأخير بشأن برنامج إيران النووي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. كانت السعودية قد هددت في نوفمبر الماضي، في حال توصلت الولاياتالمتحدة إلى اتفاق مع إيران فيما يخص امتلاكها للتكنولوجيا النووية، بإطلاق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو ما يعني تهديدا مباشرا لمصالح أمريكا في المنطقة التي اضطرت وقتها إلى رفض تقديم تنازلات حيال إيران مما أدى إلى انهيار المفاوضات وتمديدها حتى مارس الجاري. استعرض "كيري" خلال زيارته للسعودية نتائج المفاوضات التي أجراها في سويسرا مع نظيره الإيراني "محمد ظريف" بشأن برنامج إيران النووي مع نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي، وتقول الاستخبارات الإسرائيلية إن "كيري" سيحاول تهدئة السعودية والكويت والبحرين والإمارات وعمان وقطر من روع الاتفاقية النووية التي ستوقع عليها الولاياتالمتحدة مع طهران، لكنها أشارت إلى أن فرصة "كيري" من تحقيق أي إنجاز بشأن إقناع دول الخليج بالاتفاق النووي "معدومة"، موضحة أن السعودية بدأت بالفعل خلال العام الماضي وضع استعدادات لتسليح نفسها بالأسلحة النووية، لمواجهة النووي الإيراني.